الأنباط -
جيل كوفيد: كيف تؤثر الجائحة على آفاق سوق العمل؟
الدكتور وجدي الزغواني*
في ضوء الإغلاقات الحالية للمدارس وتحول التعليم بشكلٍ أساسي إلى الفضاء الرقمي، يُطرح سؤال حول التأثير المحتمل لهذا التحول على القوى العاملة وبيئة العمل في المستقبل. فسوف يدخل "جيل كوفيد" أسواق العمل في جميع أنحاء العالم في المستقبل القريب، بعد حصول كافة أفراد ذلك الجيل على تجارب مدرسية وتعليمية متشابهة في حقبة الوباء. هل سيجعلهم ذلك أضعف أم أقوى في مواجهة تحديات الحياة العملية؟
وبعد انتشار فيروس كوفيد-19، أغلقت 192 دولة المدارس والجامعات، وفقًا لتقديرات اليونسكو في مارس 2020، وهو ما أثر سلبًا على 91٪ من المتعلمين في العالم، مع عدم عودة ما يقدر بنحو 1.5 مليار شاب وما يقرب من 60.2 مليون معلم للتعلم والتدريس في الفصول الدراسية العادية. ويواجه هذا الجيل الجديد من التلاميذ والطلاب حاليًا بيئة تعليمية إلكترونية جديدة وفريدة من نوعها.
ورغم أن الأوضاع السلبية الناجمة عن انتشار الفيروس قد أثرت على الجميع، إلا أنها أثرت في الغالب على الجيل المولود بين عامي 1990 و2010، والمعروف أيضًا باسم الجيل الرقمي. ومع استمرار فيروس كورونا في تعزيز ممارسات التدريس وإجراء الأبحاث والتعلم عن بعد في جميع أنحاء العالم، من المرجح أن يدفع هذا الوضع أفراد الجيل الرقمي إلى إعادة النظر في خططهم بشأن ما يجب فعله عند تخرجهم في الجامعة. ولعل من حسن الطالع أنه من المرجح أن يكون هذا الجيل في وضع أفضل بكثير يؤهله للتعامل مع الوضع الجديد، مقارنة بالأجيال الأكبر سنًا.
ويُعرف أفراد الجيل الرقمي بأنهم يمثلون الموجة الأولى من "المواطنين الرقميين" حقًا، وأنهم أكثر ذكاءً من أفراد جيل الألفية الذين سبقوهم، أو حتى الأجيال السابقة. وسيأتي وقت سيكون فيه جيل الألفية آخر من شهد الحياة قبل العصر الرقمي. وبالمثل، وبعد عقود، سيصبح الجيل الرقمي أو جيل كوفيد هو الجيل الأخير الذي سيكون لديه ذكريات عن الفترة التي سبقت انتشار جائحة كوفيد-19 أو العصر ما قبل الرقمي.
وفي الوقت نفسه، سيكون لدى جيل كوفيد معرفة فطرية بالتقنيات المستجدة اليوم، لأنه يشكل جزءًا من الجيل البارع في التكنولوجيا والمتصل دائمًا بشبكة الإنترنت، الذي يقضي ما يقدر بنحو 10 ساعات يوميًا على شبكة الإنترنت. وقريبًا جدًا، سينضم أفراد هذا الجيل الرقمي الأصلي إلى سوق العمل، ويغيرونه بوتيرة سريعة، آخذين معهم خبراتهم الفريدة في إدارة التعلم عن بعد التي اكتسبوها من تعاملهم مع الجائحة واضطرارهم للتكيف مع ظروفهم العملية والمعيشية.
وسوف يُعرف جيل كوفيد فعليًا بأنه الجيل المرن الذي واجه أوقاتًا صعبةً للغاية، وتعرض لأزمة صحية عالمية تم التصدي لها دون أن تنهار حياتهم وكوكب الأرض. وسوف يكبرون مع استلهام الدروس المستفادة خلال الوباء، وسيصبحون قادة يمكنهم الضغط من أجل تغيير بيئة العمل في المستقبل عندما تكون هناك حاجة ماسة إلى ذلك.
وسيكون جيل كوفيد قد اكتسب خبرة غير مسبوقة في التعلم عن بعد، وهو ما يجعلهم يشعرون بالارتياح والألفة والتعود على التواصل عن بعد مع أقرانهم.
ونظرًا لأن هذا الجيل يكون متصلاً بشبكة الإنترنت باستمرار أثناء تبادل المعلومات على المدونات ومنصات التواصل الاجتماعي، فإنهم يكبرون مع امتلاكهم للقدرة على إدارة وتصفية تدفق المعلومات بشكل أفضل مع إتقانهم التام لمهارة التعامل مع المهام المتعددة، وهي مهارة مطلوبة بشدة في أي سوق عمل في أي عصر.
وسوف تشهد الفترة التي ينضم فيها المواطنون الرقميون إلى القوى العاملة إدخالهم لأسلوب جديد وثقافة عمل رقمية في أماكن عملهم تعتمد على الاستخدام المكثف للتكنولوجيا لتعزيز إنتاجيتهم وأدائهم. وسوف يحقق هذا الأمر العديد من الفوائد لأماكن عملهم في نهاية المطاف. ومن خلال تدريبهم لزملائهم الأقل اطلاعًا من الناحية التقنية، فسوف تمتد هذه الفوائد لتشمل المنظومات المؤسسية والتنظيمية بأكملها.
ومع استمرار فيروس كوفيد-19 في الانتشار، قد تدفع الأزمة الاقتصادية الحالية وتراجع فرص العمل التقليدية العديد من الباحثين عن عمل إلى التحول للعمل الحر والعمل من المنزل. وسيجد جيل كوفيد سهولة في التكيف مع هذا الوضع نظرًا لسابق مرونته في التعامل مع الأوقات الصعبة.
وفي الماضي، لوحظ أن الأشخاص الذين نشأوا في الأوقات الصعبة، مثل الكساد الكبير، بدوا أكثر مرونة طوال حياتهم. ويُظهر جيل كوفيد، بقدرته الرائعة على قبول وتبني التعلم عن بعد، بالفعل مستوى من المرونة بعدما أثبت قدرته على التكيف مع التغييرات الرئيسية في وقت قصير بشكل ملحوظ.
وعلى الجانب السلبي، في حين مكّنت التكنولوجيا الجيل الرقمي من التواصل مع أقرانهم ومواصلة التعلم من المنزل، إلا أنها قد عزلتهم أيضًا عبر قطع الاتصال البشري، وهو أمر ضروري لتنمية الشعور بالانتماء وتجربة التفاعلات الاجتماعية. وبالتالي، قد يؤدي الاستخدام المكثف للتكنولوجيا إلى تقليل بعض مهاراتهم الشخصية مع تحسين مهاراتهم التقنية.
وفي هذا الصدد، يسلط تقرير مستقبل الوظائف الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي الضوء على أن المهارات الاجتماعية ومهارات التواصل والذكاء المعرفي والعاطفي، فضلاً عن المرونة المعرفية من بين أمور أخرى، قد تكون غير متوفرة في المستقبل مع استمرار نمو الاعتماد الكبير على التكنولوجيا.
وبغض النظر عن السلبيات، فإن جائحة كوفيد-19 قد غيّرت بالفعل وظائفنا بشكل عميق وثابت، وغيرت أيضًا ما يترتب عليها من التزامات. وسيتعين على جيل كوفيد مواجهة هذا الواقع الجديد، واغتنام الفرص عبر الاستفادة من خبراتهم ومصدر قوتهم في التقنيات الرقمية.