بهدوء
عمر كلاب
ماذا لو قامت جهة بحثية خاصة او جهة رسمية , بتعقب المستثمرين الهاربين من الاردن , وكشفت اسباب هروبهم , ليس بالمعنى الحرفي للهروب , بل بمعنى اسقاط فكرة الاستثمار في الاردن , رغم كل الظروف الموضوعية الايجابية للاستثمار في المملكة , من اتفاقيات تجارة حرة مع كبريات الاقتصاديات العالمية الى اتفاقية المنشأ مع اوروبا الى البيئة السياسية الهادئة والكفاءة الاردنية المطلوبة في معظم الدولة , ناهيك عن امكانية تدريب وتأهيل العامل المطلوب وبدعم مالي حكومي وتسهيلات في الضرائب واعباء الانتساب الى الضمان الاجتماعي .
سيسارع كثيرون الى الاجابة عن معيقات الاستثمار في الاردن , فالتشريعات غير مستقرة وسرعان ما ننقلب على التشريع ونستبدله حسب رغبة الوزير او الحكومة , وكذلك الضرائب المرتفعة ونسبة المؤسسة او الشركة في اشتراك الضمان الاجتماعي وسيتبرع اكثرهم بالحديث عن الفساد ونسبة العمولة المطلوبة من المستثمر لصالح المتنفذين , وسيسردون الاف القصص والحكايا عن مشاريع هاربة كانت ستحقق للاردن الاكتفاء والتطور , وربما يجازف اخرون بالحديث عن المؤامرة التي تستهدف اضعاف الاردن .
طبقا لنماذج الاجابات عن اسئلة الاختيار من متعدد , يمكن الاجابة بأن كل ما ذكر صحيح , لكن ثمة ضلع ناقص وهو ابرز الاضلاع حسب اعتقادي , وهو نموذج البيروقراطية الجديدة في الاردن , وطبيعة الموظف الهايبرد في البيروقراطية الاردنية , فنحن اما نمطين من البيروقراطية , نمط مرعوب وخائف ولا يستطيع أخذ قرار سريع , فهو بحاجة الى مرجعيات متعددة والى موافقات متنوعة المصادر وكثيرا متضاربة , والنمط الآخر هو نمط الديجتال البيروقراطي الذي لا يعرف توجيه المستثمر الى المنطقة المناسبة والجهة المناسبة فيسارع الى زج الاستثمار في بيئة طاردة وغير ملائمة , فهو مسكون حتى اللحظة بالتجارب الغربية التي حولت الصحراء الامريكية الى استثمارات ضخمة ناسيا انها نوادي قمار والقمار مجرم في الاردن .
الجزء الثاني هو الموظف العام , فثمة موظف ينتظر التقاعد بعد ان فقد فرصته بالترقي الوظيفي بعد هبوط الموظف الهايبرد على المواقع الوثيرة وبرواتب تفوق راتبه باضعاف رغم ان الهايبرد لا يجيد اكثر من الرطانة ووضع الجيل على رأسه ويمتلك بعض مصطلحات اجنبية لا يفهم معظمها كما هو الحاصل الآن مع كثير من قيادات تشجيع الاستثمار الوسيطة او مدراء الادارات الاستثمارية والمعنية بالشراكة مع القطاع الخاص , فهم يجلسون على مقعد الوظيفة العامة وبرواتب فلكية وعينهم على الوظيفة القادمة .
وللتأكيد اضع بين يدي صاحب القرار تلك الاجابة من موظف كبير الراتب , قال لمستثمر , انصحك بأن تؤجل مناقشة مشروعك قليلا , فالحكومة على وشك الرحيل وضرب موعدا لرحيل الحكومة في منتصف تموز , وان تناقش مشروعك مع الحكومة الجديدة , ولكم ان تتخيلوا مهزلة الاجابة واثرها على اي مستثمر , حين تأتيه الاجابة من موظف اثير يجلس في الدوار الرابع ؟
فهل الاتفاق في زمن حكومة ما غير قابل للتطبيق مع حكومة جديدة , وهل الاستثمار ترعاه الدولة والتشريعات ام الحكومة وبرحيلها يرحل الاستثمار ؟ اسئلة كثيرة يفتحها الجواب العجيب , وهي اسئلة كاشفة لاسباب رحيل الاستثمار وهروب المستثمرين , فالمستثمر بالمناسبة لا تقلقه الضريبة لانها يضعها على سعر السلعة بدليل ان دولا كبيرة وكثيرة لديها ضرائب عالية ومع ذلك لديها استثمارات خارجية وداخلية , عكسنا نحن الذين فقدنا حتى المستثمر المحلي .
omarkallab@yahoo.com