الأنباط -
الحياة تتباين بين مد وجزر، وحلو ومر، وأبيض وأسود، وفرح وحزن، وهكذا، فالكل فيها يركض ويلهث صوب تحقيق أهدافه، لكننا حتماً غير مرتاحين بالمطلق إلا بالقناعة والرضا واﻹيمان، والدليل على ذلك اﻵثار الجانبية المحزنة لكثير من اﻷشياء المفرحة، ولهذا فالحياة فعلاً لا تساوي جناح بعوضة؛ وترسّخ ذلك كثيراً إبان أزمة كورونا لكثرة ما شاهدنا على مستوى العالم من فقد للأحبة والدموع التي إنهمرت عليهم؛ إضافة إلى تباعد الناس وتواجد بعض الأحبّة بعيدين عن الأعين في ديار الغربة كنتيجة لعدم تمكنهم من السفر وإنحباسهم في الدول التي يتواجدون فيها:
1. كلنا يسعى ليفرح لتخرّج فلذات أكباده ويتميزون ليرفعوا رؤوسنا عالياً، لكننا نحزن من القلب عندما نهمّ لوداعهم لمواصلة دراستهم في الخارج، فتلك هي مفارقة عجيبة غريبة! والأدهى من ذلك أنه في زمن جائحة كورونا إزدادت المسافات وصعُب اللقاء وبات ليس بالقريب لكل الناس وضمن ضوابط السلامة العام وإشتراطات المنظومة الصحية.
2. كلنا يسعى ليفرح ومن القلب لتزويج أبناءه وبناته ويكون يوم المنى للجميع، لكننا نحزن عند مغادرتهم لبيوتنا ليسكنوا في بيوتهم الزوجية، فأمل وحسرة عجيبة! وفي زمن كورونا بات حتى زواجهم ليس بالسهل لأن التجمعات ممنوعة؛ والفرح يكون محدوداً جداً لأقل من عشرة وبالتباعد قدّر الإمكان؛ وإمّا التأجيل الذي هو ليس ممدوحاً.
3. كلنا يسعى ليجمع المال في سبيل الرفاه والسعادة واﻹستثمار باﻷبناء وغيرها، لكننا نحزن عندما نرى المال وبالاً على سلوكيات بعض اﻷبناء في حال إنحرافهم لا سمح الله تعالى، فاﻹستثمار اﻷمثل مطلوب؛ وكذلك في زمن كورونا نلحظ أو المرضى يرون المال وبالاً عليهم إذا لم يصرفوه على وطنهم أو في أوجه الخير؛ وهنا يحضرني تصريح لشابة إيطالية والدها ملياردير توفي من فايروس كورونا وتقول أنه كان سيعطي كل ماله الذي تركه خلفه لأي كان بإمكانه أن يعطيه نَفَسَ هواء؛ ومع ذلك ذهب وترك المال خلفه ولم يسعفه في شيء..
4. كلنا يسعى ليكون في أعلى المناصب وأرقاها لمآرب عدة، لكننا نتمنى أن لا نصعد بالمراتب في حال حسد وظلم وحقد البعض ممن في مجتمعنا، فالطموحات مشروعة لكنها ممزوجة بالحسرة! وفي زمن كورونا هذه الآهات والحسرات ربما خفّت أو تراجعت قليلاً لأن الناس ليست قلقة ببعض بسبب الأنانية المفرطة بحبها لذاتها خوفاً من مرضها أو وصولها لدرجة صحية غير مرضية؛ ولذلك الكل مهتم بنفسه. لضمان تجاوزه هذه الأزمة بسلام.
5. كلنا يأمل بحياة رغدة وسعيدة لوالديه ويفديهم بالمهج واﻷرواح، بيد أننا لا نستطيع أن نقدم أو نؤخر لهم عند مرضهم أو دنوِّ أجلهم، فالصحة والحياة بيد الله تعالى! ولهذا ففي زمن جائحة كورونا حتى زيارات الوالدين لا تتم خوفاً عليهم وخوفاً منهم، فالكل لا يريد أن ينقل الفايروس ولا ينتقل إليه؛ ولذلك فالتباعد الإجتماعي والمسافات الآمنة تطبّق حتى على أعز الناس وهم والدينا الذين نفديهم بالمُهج والأرواح.
6. كلنا يسابق الزمن للحصول على مكاسب دنيوية لا تقدم ولا تؤخر مع مرور الزمن، لكننا ننسى أن الزمن الذي يمر هو من أعمارنا، فلا نكسب ما نسعى إليه ولا أعمارنا! وفي زمان كورونا يزداد هذا الشعور حيث الخوف عند الناس من العدوى وإنتشار الفايروس في ظل الحديث عن موجات مرتدّة للفايروس في بعض الدول التي لم تكتسب المناعة الكافية ولم تصل للذروة المطلوبة وفق الإحصائيات والنماذج الرياضية المُثبتة.
7. والقائمة تطول بمزيد من اﻷمثلة التي تؤشر لثنائيات متناقضة كالفرح والحزن، والسعادة والتعاسة، واﻷبيض واﻷسود، والموت والحياة؛ والمرض والصحة؛ والفايروس والبكتيريا؛ وغيرها.
بصراحة: في زمن جائحة كورونا وكثرة المصائب والويلات خلالها في بعض دول العالم فالحياة تجعل في القلب غصة، فهي تمثل الورد والشوك في ذات الوقت، وتمثل الفرح والحزن، واﻵثار الجانبية للسعادة حتما فيها جوانب معتمة، والمطلوب أن نعيش لحظة الفرح دون اﻹلتفات للحزن لغايات أن نحصل على القناعة والرضا ونكون أسعد الناس.