يعيش نحو ثلث سكان العالم الآن في حالة عزل ذاتي وإجباري لمكافحة انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد -19)، وبعيدا عن التأثيرات الاقتصادية والإنسانية للفيروس، لن تعود الحياة إلى سابق عهدها بعد انتهاء هذا الوباء، وسبتدو هذه العودة مثل الضغط على زر لإعادة تشغيل العالم، حيث من المتوقع أن تترك فترة العزل هذه تاثيرات وتغيرات بارزة على كل جوانب الحياة، بداية من القيادة وطريقة الحكم، مرورا بالأنظمة الدفاعية، ووصولا إلى شكل حياتنا وعاداتنا اليومية.
ووضحت مجموعة من علماء المستقبليات لوكالة "سبوتنيك" الروسية، أبرز التغيرات المتوقع أن تطرأ على شكل الحياة، بعد انتهاء وباء كورونا.
القيادة
من أبرز ما سيتغير في العالم ما بعد "كوفيد- 19" هو شكل القيادة وطريقة عمل القادة، إذ يقول مدير الابتكار والتحول والتبصر بالمدرسة العليا للتجارة في فرنسا ريني روهيرربيك لوكالة سبوتنيك "نحن الآن نحاط بالغموض، الطرق القديمة لاتخاذ القرارات تفشل بسبب نقص المعلومات، وفي مثل هذا الموقف، نحتاج إلى قادة يمكنهم العمل وسط هذا الغموض، بخطط سريعة وعن طريق التعلم من الأخطاء".
ويضيف روهيرربيك "في الأشهر القادمة علينا التأكد من أن القادة يحصلون على التدريب المناسب، حيث يجدون فجأة أن عليهم العمل والقيادة في هذه البيئة الغامضة"، ويتابع "بعد مرور الوباء سنرى ازدياد في عدد القادة الذين يتخذون قراراتهم بناء على قناعتهم وموهبتهم إلى جانب تطبيق التقنيات الصحيحة، والسيناريوهات السريعة القائمة على التعلم من الأخطاء".
في السياق ذاته، يقول عالم المستقبليات البارز والمدير التنفيذي لمؤسسة دافنشي توماس فريي "نحن الآن ضغنا على زر ضخم لإعادة تشغيل الإنسانية كلها، لكن هذه الحالة مدفوعة بشكل كبير بحالة من الخوف والذعر، ومن غير المعقول أن نعتقد أن القادة الحاليين لن يتم انتقادهم بشدة بعد هدوء الأوضاع، نحن انتقلنا من عصر (الجهل نعمة) إلى عصر نعرف فيه أننا نعاني من مشكلة لكن لا نعرف كيف نتصرف حيالها".
ويشدد فريي "تركيزنا الآن يجب أن ينصب على المعلومات، والقرارات يجب اتخاذها عن طريق تحليل كميات هائلة من المعلومات".
ويتابع عالم المستقبليات "قادة المستقبل يجب أن يعتمدوا بشكل أكبر على المعلومات لتحديد الاتجاهات والأولويات، ففي النهاية الأزمات العظيمة تولد قادة عظماء".
وحول أشكال السلطة المستقبلية عقب وباء كورونا، يتوقع الباحث وعالم المستقبليات براين ألكسندر أن تتمدد سلطات الدولة في المستقبل، إذ يقول "قد نشهد تمددا في سلطات الدول، خاصة في الأجزاء المتعلقة بمراقبة السكان والصحة العامة والسياسات الصناعية والسياسة بشكل عام، والصين تقدما نموذجا لمثل هذا التمدد".
ولا يستبعد ألكسندر أن يهدد هذا التمدد في سلطات الدول الحريات الشخصية والفردية.
الأنظمة الدفاعية
فيما يخص الأنظمة الدفاعية، يعتقد الباحثون أن العالم بعد كورونا سيشهد تعزيز الاستعداد للمخاطر بما في ذلك المخاطر الآتية من تهديدات غير مرئية، وزيادة القدرات المواجهة الحروب البيولوجية.
في هذا السياق، يقول توماس فريي "عصر الأسلحة والمعدات الثقيلة ينتهي، والحروب البيولوجية والالكترونية والعقلية تبدأ للتو"، ويضيف "معظم البلدان ستعدل من شبكاتها لتجعل من التهديدات غير المرئية تهديدات مرئية، كل عبور للحدود سواء عبر المطارات أو الموانئ سيشهد زيادة في الرقابة ونظم كشف عبر الصوت والصورة، إضافة إلى زيادة استخدام الطائرات المسيرة لزيادة التغطية، وسيكون الهدف أن لا يعبر أي فيروس أو بكتريا أو جرثومة أو فطر دون كشفه".
ويتوقع الباحث براين ألكسندر أن "تعمل الدول على زيادة قدراتها لمواجهة الحروب البيولوجية، وأن تغير من سياساتها، ومناهجها التعليمية واتفاقاتها التجارية وعلاقات العمل بها"، ويشير إلى أن "الجيوش قد تبدأ في الاستماع أكثر إلى التوقعات القائمة على العلم".
ثقافة العمل
غيّر الحجر الصحي المفروض في العديد من البلدان التي تواجه فيروس كورونا المستجد من شكل وطريقة العمل، فالعديد من المؤسسات سمحت لموظفيها بالعمل عن بعد من المنزل، ما وضع تحديات عديدة أمام كل من الموظفين والمديرين.
يقول براين ألكسندر في هذا السياق، "كلما زاد وقت العزل لمحاربة الوباء، كلما سنعتاد على العمل عن بعد، لكن تتبقى مخاوف بعض المديرين من تكاسل الموظفين خلال فترات العمل وحدهم".
على الجانب الآخر، يلفت توماس فريي أن "العمل من المنزل يحتاج إلى مجموعة من الأدوات التي يجب أن تتوافر في المنزل مثل الانترنت وأجهزة الكمبيوتر وتطبيقات عقد الاجتماعات عن بعد"، ويشير أيضا أنه إلى جانب هذه الأدوات "يجب أن يجد الناس طرقا لتحفيز ذاتهم على العمل، وإدارة جيدة للوقت، كما سيحتاج المدارء إلى الإدارة بشكل مختلف، كما يجب أن تتحول أجزاء من البيوت إلى أماكن مناسبة للعمل".
يتفق ريني روهيرربيك مع فريي في رأيه في ضرورة توفير بيئة مناسبة للعمل من المنزل، ويقول "العديد من الناس الذي جربوا العمل من المنزل الآن تفاجأوا بكم المزايا التي يوفرها لهم العمل عن بعد من المرونة، واحتمالية الاهتمام بالأطفال لوقت أطول والوقت الذي يوفره عدم التنقل من المنزل إلى العمل".
نمط الحياة
يعتقد الباحثون أن وباء كوفيد- 19 أحدث تغيرات لا رجعة فيها في أنماط الحياة بشكل عام، إذ يقول براين ألكسندر إن "بعد انتهاء الوباء سيحدث اندفاع في زيارات الناس لعائلاتهم والمطاعم والذهاب إلى السينما، والسفر، سيلتئم شمل المحبين والأقرباء، لكن لن يعود مستوى التواصل بينهم إلى ما كان عليه في السابق، لأنهم تعلموا بشكل ما أن يعيشوا بعيدا عن بعضهم البعض".
كما يشير ريني روهيرربيك إلى التباعد الاجتماعي بين الناس، قد يجعلهم أكثر قربا على المستوى النفسي حول العالم، ويقول "أعتقد أن اتحاد الناس لمواجهة الأزمة الحالية سيقربهم من بعض بشكل أكبر، حتى كمجتمعات دولية، وسيعزز التعددية، كما سيعزز قدراتنا على إيجاد إجابات لتحديات أخرى تواجه الإنسانية".
الجدير بالذكر أنه وفقا لإحصائيات "بيزنيس انسايدر" يعيش نحو ثلث سكان العالم في حالة عزل بسبب فيروس كورونا المستجد.
وأسفر الفيروس الذي ظهر للمرة الأولى في مدينة ووهان في الصين في كانون الأول/ ديسمبر الماضي ، عن وفاة أكثر من 28 ألف شخص حول العالم، فيما أصاب أكثر من 620 ألف مواطن في أكثر من 190 دولة.