الأنباط -
ي يوم الثلاثاء الماضي تم تفعيل قانون الدفاع لمواجهة الأوضاع التي نعيش فيها نتيجة انتشار وباء كورونا وصدرت الإرادة الملكية السامية بتطبيقه . وهذا ما نادى به الكثيرون ومنهم أنا في مقالي الأخير . وكان قبل ذلك بيوم واحد قد تم اتخاذ قرراً بوضع جميع القادمين إلى الاردن تحت الحجر التحفظي لمدة أربعة عشر يوماً وتم تخصيص افخم فنادق الاردن ليكون مكاناً لهذا الحجر . فما هي مبررات صدور هاذين القرارين وماذا ترتب عليهما.
في بداية ظهور هذا الوباء وانتشاره في العالم ووصوله إلى الأردن من خلال بعض القادمين من دول موبوءة به ، فقد اتخذت الحكومة الاردنية مجموعة من القرارات والإجراءات لمواجهته ، ومن ضمنها تخصيص أماكن لحجر للمشتبه بإصابتهم بفيروس كورونا ، وتخصيص مكان لحجز من تثبت اصابتهم به ومعالجتهم فيه.
وكانت هذه الإجراءات ترتفع وتيرتها مع زيادة انتشار هذا الوباء في العالم . ولكن وللأسف فأن بعض المواطنين لم يبدوا تفهماً لهذه الإجراءات ، أما من ناحية القول انه مبالغ بها ، أو من ناحية القول انها قاصرة عن معالجة هذه الحالة.
وزاد الأمر سوءاً هذا الكم الهائل من الإشاعات والأخبار الكاذبة والتهويل في حجم انتشار هذا الوباء في الاردن . فيما وجد البعض من المواطنين بهذه الأزمة فرصة لهم لتكثيف حملتهم على الحكومة وإظهارها بمظهر العاجزة عن التصدي لهذه الحالة والحد من أضرارها بالرغم من اننا كنا في موقف جيد إلى حد بعيد . حيث لم يكن لدينا الا حالة إصابة واحدة مؤكدة بهذا الوباء لمواطن اردني قدم من الخارج وهو يحمل هذا الفيروس ، بالإضافة الى بعض من تم وضعهم بالحجر للاشتباه بإصابتهم والحمد لله لم يثبت إصابة احدهم . الا انه في نفس الوقت كانت هنالك حملات تشويه لاماكن الحجر والعزل وبصورة فيها مبالغة كثيرة مما دفع المسؤولين إلى اتباع أسلوب جديد وهي حجر الذين تظهر عليهم علامات الإصابة والطلب من الباقين عمل حجر ذاتي على أنفسهم في أماكن سكناهم كما هو متبعاً في مختلف دول العالم . صحيح ان الكثير من الأردنيين قد التزموا بذلك الا ان بعضهم لم يفعل ، وقاموا بالاختلاط بالآخرين سواء من خلال الحفلات أو اللقاءات والزيارات العائلية والتردد على الأماكن العامة من مجمعات تجارية ومطاعم والمقاهي والكوفي شوبات ، مما ادى إلى انتشار هذه الفيروسات بين العديد من المواطنين وظهور حالات إصابة به.
وتصادف ذلك في اليوم التالي للإعلان عن شفاء اول حالة إصابة بهذا الوباء ومغادرتها المستشفى. ورافق ذلك تسارع في انتشار هذا الوباء في العالم واتخاذ الكثير من الدول قرارات بأغلاق مطاراتها ومنافذها الحدودية ومنها الاردن حيث اصدر العديد من القرارات التي من شأنها ان تحد من انتشار هذا الفيروس بين المواطنين ومن بينها إغلاق المدارس والجامعات وأماكن تجمع الجماهير وإقفال المساجد والكنائس ، وإغلاق الكثير من الدوائر والمؤسسات العامة والخاصة وأماكن اللهو والمطاعم والمقاهي ووسائط النقل العام والصحف الورقية وان يلتزم المواطنون منازلهم لمدة أربعة عشر يوماً باستثناء المخولين بالتحرك والحالات الاضطرارية وغيرها من القرارات الأخري . كما تم تحديد تاريخاً معيناً لوقف الرحلات الجوية من والى الاردن وأخرى تتعلق بالمعابر الحدودية البرية . وعلى اثرها قامت أعدداً كبيرة من الأردنيين بالعودة إلى وطنهم . ولكثرة أعدادهم كان يطلب ممن لم تظهر عليهم علامات حملهم للفيروس عمل حظر ذاتي في منازلهم . الا انه وللأسف فأن الكثيرين منهم لم يلتزموا بذلك و بدأت تظهر حالات إصابات جديدة بهذا الوباء. كما زادت وتيرة الاشاعات الهدامة والأخبار الكاذبة ونشرها والتي كانت تثير الذعر والرعب بين المواطنين .
ولذلك فقد طالب الكثيرون بتفعيل قانون الدفاع وما يتيحه ذلك من سلطة لألزام لمواطنين بتطبيق أجراءات معينة تحت طائلة العقوبة . وفي يوم الاثنين الماضي كان متوقعاً عودة ما يزيد على عشرة الآف مواطن الى الأردن عن طريق المطار ، وقد اتخذت الحكومة قرارا بوضح جميع القادمين في حجر صحي لمدة أربعة عشر يوماً ، وتم تفريغ وحجز العديد من الفنادق في منطقة البحر الميت والعقبة وعمان من ذوات النجوم الخمس والأربع وقام عناصر جيشنا العربي الباسل بنقل هذه المجموعات وتوزيعهم عليها . الا ان ذلك استقبل من قبل البعض بتصرفات سلبية اقل ما يقال عنها انها مخزية وغير مطابقة للحقيقة والتي سرعان ما تبينت حقيقتها وان المحجورين يتمتعون بمعاملة على مستوى عالٍِ من العناية والاحترام والتكريم . وأنه تتوفر لهم كل سبل الراحة والأمان ، ويتم تقديم الطعام والشراب لهم ومن اجود الأصناف ومجاناً وعلى مستوي لم توفره أي دولة اخرى بالعالم من التي تعرضت لهذا الوباء والتي زاد عددها عن مائة وستين دولة مهما بلغت هذه الدول من تقدم وغنى.
الا ان ذلك كله لم يوقف جوقة الناعقين بالخراب والذين اخذوا بتوجيه الاتهامات للحكومة بأنها هي المسؤولة عن انتشار هذا الوباء وزيادة حالات الإصابة به بالرغم من ان الحقيقة الثابتة بأن هذا الفيروس قد اقتحم حدود وحصون اكبر الدول وأغناها وأكثرها تطوراً علمياً وطبياً دون ان تستطيع سلطات هذه الدول وحكوماتها الحيلولة دون ذلك.
وقد بدى واضحاً ان من يقف خلف هذه الاتهامات هم ممن يمنون أنفسهم بسرعة رحيل الحكومة وممن يكاد يخنقهم نجاحها في أجراءاتها بمواجهة هذا الوباء مما قد يطيل في عمرها كما يعتقدون . ولذلك ووسط كل تلك الظروف ظهر من يطالب بحل مجلس النواب ثم استقالة الحكومة وتشكيل حكومة جديدة تكون قادرة على إصدار قوانين مؤقتة لمواجهة هذا الوباء مع ان القوانين الموجودة ومنها قانون الدفاع كافية لذلك . بل ذهب البعض إلى القول ان وضع القادمين للبلاد في الحجر هو مجرد اجراء عبثي وعرط والمح البعض إلى انه باباً من أبواب الفساد بعد ان ادعى هذا البعض ان مئات ملايين الدنانير قد تم تقديمها للأردن كمساعدة لمواجهة هذا الوباء وان ما يصرف منها حالياً لمواجهة هذا الوباء هو تغطية على ما سيتم سرقته منها . وكان ينقص البعض منهم القول ان الحكومة عملت على نشر الوباء لتضمن بقاءها.
ولمواجهة هذه الحالة كان لا بد من الإعلان عن تطبيق قانون الدفاع وقد صدرت الإرادة الملكية السامية بذلك مع الطلب من الحكومة ان لا يتسبب تطبيقه بالتضييق على المواطنين في حياتهم وحرياتهم . ثم أعلن رئيس الوزراء عن البدء في تطبيق هذا قانون متعهدا انه لن يمس حقوق المواطنين السياسية وحرية الرأي والتملك ، وأنه سوف يتخذ الإجراءات في حدودها الدنيا طالباً من المواطنين الالتزام بما يطلب منهم القيام به وان الهدف هو حماية صحتهم في مواجهة هذا الوباء الفتاك . محذراً بالوقت نفسه من الإشاعات وتداولها أو عدم التزام المواطنين بما يطلب منهم وإلا فإنه سيكون ملزماً باتخاذ إجراءات اشد قسوة . كما وعد باتخاذ مجموعة من القرارات الاقتصادية التي تهدف للتخفيف عن المواطنين خلال هذه الفترة مثل صرف الرواتب فوراً ، وتأجيل تحصيل فواتير الماء والكهرباء وتأجيل الاقساط المستحقة عليهم وغيرها كثير من هذه الإجراءات كما تم إطلاق سراح عدد كبير من المحكومين والموقوفين .
وعلى اثر تفعيل العمل بقانون الدفاع فقد قامت وحدات من عناصر جيشنا الباسل باتخاذ مواقع لها في مختلف المناطق والمدن للمساعدة على تنفيذ القرارات التي سيتم اتخاذها استناداً لهذا القانون . ولقد لقي هذا القرار ونزول الجيش الى الشوارع استحسان واعجاب الغالبية العظمي من المواطنين وعزز هذا الإجراء ثقتهم بقيادتهم الهاشمية ومساندتهم للإجراءات الحكومية في مواجهة هذا الوباء والذي طمئن المواطنين بأن كل مستلزمات الحياة متوفرة لهم . وبالرغم من قيام المواطنين بالتكالب على شراء احتياجاتهم فأن شوارعنا ومحلاتنا التجارية لم تشهد ما شهدته غيرها من ازدحامات على ابوابها ومن أرفف فارغة . ولقد حاول البعض وللأسف استغلال هذه الفرصة للأثراء غير المشروع ورفع الأسعار على الشعب الا ان الحكومة سارعت لتوفير اكثر الطلبات أهمية للمواطنين عن طريق المؤسستين العسكرية والمدنية وبسعرها الأصلي وكما قامت بملاحقة واضبط من يحتكر السلع أو يرفع اسعارها دون مبرر.
هذا وبالرغم من التزام الغالبية العظمى من المواطنين بالتعليمات التي اصدرها دولة رئيس الوزراء بموجب قانون الدفاع ، الا ان أقلية منهم لم تفعل ذلك ، اذ نزل بعضهم للشوارع دون مبرر ، بل ان بعضهم سار في مواكب الأفراح .
فيما استمر البعض في نشر الإشاعات والأخبار الكاذبة والتي وصلت إلى درجة دبلجة ما قيل انها برقية صادرة عن القيادة العامة للقوات المسلحة بفرض حالة منع التجول وكل ذلك بهدف خلق البلبلة والخوف بين المواطنين علماً ان الخوف الذي يعتري الإنسان في مثل هذه الحالات يضعف مناعة الجسم مما يجعله صيداً سهلاً لفيروسات هذا المرض .
وهذا ما دفع إلى اتخاذ قرار بعزل محافظات المملكة عن بعضها البعض ومنع التنقل بينها من صباح يوم الخميس . الا انه يبدوا ان هذا الإجراء لم يأتي بالنتائج المتوقعة منه مما جعل خيار اتخاذ قرار بمنع التجوال الجزئي قيد الدراسة .
وقبل ان انهي مقالتي أقول انني أتوقع من البعض ان يلقي بوجهي تهمة التسحيج للحكومة ممن يعتبرون ان توجيه المديح لها هو تسحيج . وأنا ارد عليهم بقولي ان اداء الحكومة في هذه الأزمة بمختلف أعضائها يرقى إلى مستوى المعجزات وفي اعلى دراجات المهنية والاحتراف . وأنهم يصلون الليل في النهار في عمل ميداني لمواجهة هذا الوباء وإن هذه الحكومة قدمت للمواطنين أفضل الخدمات وأرقاها رغم محدودية الإمكانيات الأمر الذي عجزت عنه اكبر الاقتصاديات . ويكفي انه في لقاء مع وزير المالية على تلفزيون المملكة وعندما سأله المذيع عن كلفة الإجراءات التي قامت بها الحكومة لمواجهة هذا الوباء ، اجاب بأن الكلفة هي ستة وخمسون مصاباً ندعوا الله لهم بالشفاء الكامل ونعمل على ذلك وما عدا ذلك هو مجرد تفاصيل . هذه هي الإجراءات التي اشيد بها وهذه الإجراءات التي اعتبر ان كل من ينكرها هو عدو لهذا الوطن . وان أكون سحيجاً للحكومة في مثل هذه الظروف أفضل من ان أكون خائناً للوطن .
كما ولا ننسى الإشادة بالجهود التي يقوم بها ضباط وعناصر اجهزتنا الأمنية وقواتنا المسلحة .
وكلمة اخيرة اود ان اقولها ان ما مر عينا من صراع مع هذا الوباء قد يكون بداية الطريق وليس نهاية وأنه مع كل الإجراءات التي تم اتخاذها فقد يكون لا يزال بيننا قنابل موقوتة تحمل الفيروس وتنشره بين المواطنين ممن قدموا من خارج البلاد وتعهدوا بالقيام بالحجر المنزلي الطوعي ولم يلتزموا بذلك . وان هذا قد يعني ظهور موجات جديدة من الإصابات وخاصة مع ارتفاع وتيرة الإصابات به بمختلف أنحاء العالم وما يشاع ان انتشاره سوف يستمر لفترة طويلة من الزمن دون وجود علاج أو مصل يقضي عليه ، وان هذا قد يتطلب الجديد من القرارات بموجب قانون الدفاع ، وأنه يجب علينا كمواطنين ان نعد أنفسنا لذلك وان نضع أيادينا بيد الحكومة وان نثق بإجراءاتها ونرحل صراعنا وخلافنا معها إلى ما بعد زوال هذه الغمامة ان شاء الله . وحفظ الله الاردن وشعب الاردن في ظل الأسرة الهاشمية وراعيها وحادي ركبها جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين العظيم .