القتلة المأجورون أشخاص غامضون، نراهم في أفلام هوليوود يتعاملون بسرية تامة ورباطة جأش مذهلة، وقدرات غير عادية على الفرار بعد قتلهم ضحاياهم، والقاتل المأجور خوليو سانتاناليس استثناء.
خوليو سانتانا واحد من أشهر القتلة المأجورين في الفترة الأخيرة، برز اسمه في عناوين الصحف كواحد من أكثر الرجال دموية في العقد الأخير بحسب كاتب سيرته الذاتية، الصحفي البرازيلي كليستر كافالكانتي، والذي عرّف العالم بأخطر قاتل محترف مأجور في العالم، بحسب ما رواه لصحيفةThe New York Postالأمريكية.
في 6 أغسطس/آب 1971، وسانتانا كان عمره 17 عاماً في ذلك الوقت يجلس على ركبته اليسرى ويسند كوعه الأيمن على مفصل الورك، ممسكاً ببندقية القنص منتطراً رؤية ضحيته الأولى، رجل معروف باسم «Yellow» في مرمى إطلاق النار، ولكن ماذا كانت ملابسات ارتكاب الصبي لأول جريمة في حياته؟
بالعودة إلى قريته، في أعماق غابات الأمازون المطيرة حيث كان يعيش في كوخ مع والديه وشقيقيه، كان خوليو معروفاً بمهاراته في التصويب والقنص. لكنه كان فقط يصطاد قوارض الغابات والقرود بحثاً عن الطعام.
كان الرجل الذي كان على وشك قتله، أنطونيو مارتينز -اشتهر باسم Yellow- صياداً يبلغ من العمر 38 عاماً بشعر أشقر وبشرة ناعمة. راقب خوليو ذلك الرجل تحت مظلة غابة حارة شديدة الخناق لمدة ثلاث ساعات، وحينها لم يكن خوليو متأكداً من أنه يستطيع فعلياً سحب الزناد وقتل الرجل.
لقد اغتصب الرجل المعروف باسم Yellow فتاة تبلغ من العمر 13 عاماً في قرية قريبة، فقام والدها باستئجار عم سانتانا، وهو قاتل محترف، لقتل الرجل المغتصب. كان خوليو يعرف أنه في منطقة الأمازون المترامية الأطراف وغير الخاضعة للقانون، كان السكان المحليون ينفذون القانون بأيديهم على مدار مئات السنين.
ومع ذلك، فقد صُدم خوليو عندما اكتشف أن عمه المفضل -وهو شرطي عسكري- كان أيضاً يعمل قاتلاً مأجوراً. والآن كان العم ينقل مهمته الأخيرة لابن أخيه، على أمل أن يجنده للعمل كقاتل مأجور.
كان سانتانا متردداً خوفاً من الذهاب إلى الجحيم بسبب قتل إنسان، ولكن عندما أوضح له عمه شيشرون كيف أن ذلك الرجل المغتصب خدع الفتاة ووعدها باصطحابها لرؤية الدلافين الوردية على نهر توكانتينز قبل اغتصابها في الزورق، بدأ خوليو تغيير رأيه.
ولإقناع خوليو بالأمر، أخبر شيشرون -المصاب بالملاريا بشدة بحيث يتعذر عليه القيام بالمهمة بنفسه- ابن أخته بأن الله سيتغافل عن هذا الأمر. وقال عمه إن تكفير هذا الذنب سيتطلب فقط أداء صلاة السلام الملائكية 10 مرات والصلاة الربية 20 مرة بعد القتل.
وأضاف شيشرون: «بهذه الطريقة أضمن لك الغفران وتكفير الذنب».
أمسك سانتانا بندقيته وصوبها مباشرة على صدر Yellow وهو يقف في قارب الصيد الخشبي الخاص به في منطقة قريبة من النهر. كان خوليو يعلم أنه على بعد 40 ياردة لا يمكن أن يخطئ هدفه. عندما انطلقت الطلقة في سكون الغابة، شاهد سانتانا نظرة عابرة من الرعب على وجه ضحيته قبل أن يسقط في قاع قاربه. في وقت لاحق، تخلص خوليو من الجثة، حيث أمسك بضحيته ورماها في النهر إلى حيث تلتهم أسماك البيرانا الضارية الرفات.
وقال خوليو في ذلك الوقت: «لن أقتل أحداً آخر طوال حياتي يا رب. لن يحدث ذلك مطلقاً مرة أخرى».
لكن سانتانا ظل يتذكر عملية القتل الأولى تلك بقية حياته المهنية المليئة بالدم.
حتى بعد أن أزهق أرواح ما يقرب من 500 شخص ليصبح القاتل الأكثر دموية في العالم، ظلت النظرة التي ارتسمت على وجه ضحيته الأولى في اللحظة التي سبقت وفاته تطارد أحلامه لعدة عقود.
كتب الصحفي البرازيلي كليستر كافالكانتي الحاصل على العديد من الجوائز في كتابه الجديدThe Name of Death، الذي يسرد الحياة المهنية لسانتانا قائلاً: «كان لسانتانا طموحات قليلة في الحياة. مثل معظم الشباب في المناطق النائية البرازيلية، بدا «متجهاً إلى أن يصبح صياداً مسالماً، لكنه ضل الطريق في أعماق الغابات المطيرة» في البرازيل.
قال الكاتب الصحفي كافالكانتي إنه قابل خوليو في رحلة تغطية صحفية إلى الأمازون قبل 10 سنوات لإجراء تحقيق صحفي عن العمل القسري أو العبودية في شكلها المعاصر.
أوضح كافالكانتي (49 عاماً) لصحيفة New York Post الأمريكية: «أخبرني أحد ضباط الشرطة الفيدرالية بأنه من الشائع جداً في تلك المنطقة أن يتعاقد مربو الماشية مع رجال مستأجرين لقتل العبيد الهاربين. أخبرت الضابط بأنني أرغب حقاً في إجراء مقابلة مع قاتل محترف وأعطاني رقماً لهاتف يعمل بالعملة، وطلبت مني الاتصال به في وقت وتاريخ محددين».
عندما رد سانتانا على الهاتف الذي يعمل بالعملة في بورتو فرانكو، البلدة الصغيرة في ولاية مارانهاو البرازيلية النائية حيث كان يعيش في ذلك الوقت، كان متردداً في التحدث إلى المراسل.
قال كافالكانتي: «قضيت سبع سنوات في إقناعه بالتحدث معي عن حياته. تحدثنا عن كل شيء وليس فقط عن وظيفته. تحدث عن طفولته وعلاقته بوالديه وإخوانه والحياة الهادئة التي عاشها في الغابة، بالإضافة إلى الدراما الداخلية التي واجهها عندما بدأ العمل كقاتل مأجور».
ومن جانبه، أوضح سانتانا، البالغ من العمر حالياً 64 عاماً، في مقابلة أجراها عبر البريد الإلكتروني الأسبوع الماضي مع صحيفة The New York Post الأمريكية أنه على الرغم من سعادته بالطريقة «الصادقة» التي روى بها كافالكانتي قصة حياته، لكنه انزعج بعض الشيء من أسلوب الكتاب بدا كأنه يُضفي بهاءً على مهنته ويُجمّلها.
قال سانتانا: «قصة حياتي الحقيقية أكثر بؤساً من أي شيء يمكنك تخيله».
عمل سانتانا -بفضل عمه- قاتلاً مأجوراً لصالح الحكومة البرازيلية في معركتها ضد المتمردين الشيوعيين في حوض نهر أراغوايا بالأمازون. وفي الفترة من 1967 إلى 1974، حاولت ما تُسمى حركة حرب العصابات (Araguaia Guerrilla) إنشاء معقل ريفي لإسقاط الديكتاتورية العسكرية في البرازيل من خلال تجنيد مزارعين وصيادين لخدمة قضيتهم.
في البداية، جرى التعاقد مع سانتانا في أوائل سبعينيات القرن الماضي للعمل مرشداً لتعقّب معسكرات قوات حرب العصابات. وقد ساعد سانتانا، في إحدى الحالات، في أسر اليساري المُتشدّد خوسيه جينوينو، أحد قادة حرب العصابات الذي كان طالباً يدرس القانون. شاهد سانتانا في رعب استخدام الجنود وسيلة الإيهام بالغرق في تعذيب جينوينو على مدار أيام داخل مكان سري بالغابة المطيرة.
كان سانتانا في ذلك الوقت بالكاد يبلغ 18 عاماً، ويُكافأ على عمله بزجاجة مشروب غازي (Coca Cola) -وهو مشروبه المفضل الذي كان شراؤه بمثابة نوع من الرفاهية لا تستطيع أسرته الفقيرة تحملها على الإطلاق. أصبح خوسيه جينوينو بعد سنوات لاحقة عضواً في الكونغرس البرازيلي ورئيساً لحزب العمال اليساري في البلاد.
وبعد فترة قصيرة من مساعدته في أسر جينوينو، قتل سانتانا متشددة شيوعية تُدعى ماريا لوسيا بيتيت، المُعلّمة البالغة من العمر 22 عاماً. وظلَّ اسم ماريا مدرجاً ببساطة بوصفها «شخصاً مفقوداً» على مدى ما يقرب من عقدين من الزمن. لكن التفاصيل الكاملة لكيف انتهى بها المطاف مدفونة في مقبرة جماعية تحت التراب وجسدها ملفوف بمظلّة هبوط قديمة لم تُكتشف إلا مؤخراً بعد أن ضغطت أسرتها على لجنة تقصي حقائق برازيلية لإخراج الجثث.
تحوّل سانتانا من استهداف سياسيين إلى منقّبين غير قانونيين عن الذهب وأزواج خائنين بعد استعادة نظام الحكم المدني في البرازيل عام 1985. ألقت الشرطة المحلية القبض على سانتانا وأمضى ليلة في السجن في عام 1987؛ بعد أن قتل امرأة متزوجة يُشتبه في خيانتها لزوجها. لكن أُطلق سراحه بعد تنازله عن دراجته النارية الجديدة على سبيل الرشوة.
حدث ذلك بالتزامن تقريباً مع اكتشاف سانتانا أن عمّه كان يخدعه ويستغلّه مادياً، إذ لم يمنحه سوى جزء ضئيل من المبلغ الذي كان يتقاضاه مقدماً مقابل تنفيذ مهمات القتل.
يقول سانتانا إنه كان يتقاضى في المتوسط ما يتراوح بين 60 و80 دولاراً مقابل كل مهمة قتل، وهو المبلغ الذي خلال سنوات نشاطه الإجرامي كان سيعادل الحد الأدنى للراتب الشهري في البرازيل. وأشار سانتانا إلى أنه لم يتحدث إلى عمه مرة أخرى بعد أن واجهه بأمر استغلاله له لأكثر من 20 عاماً.
توقف سانتانا عن مزاولة مهنة «القاتل الأجير» في عام 2006 عندما بلغ من العمر 52 عاماً؛ وبعد أن وجّهت له زوجته إنذاراً نهائياً: إما التوبة والتخلّى عن هذه الحياة أو ينساها هي وأطفالهما».
يكتب كافالكانتي: «لطالما أخبرته زوجته بأن حيلته بتلاوة صلاة «السلام عليك يا مريم 10 مرات والصلاة الربيّة 20 مرة» لا تُمثّل توبة صادقة». كان سانتانا مواظباً على تلاوة تلك الصلوات بعد كل جريمة قتل.
تحوّل سانتانا، الذي نشأ وترعرع كاثوليكياً، إلى الكنيسة الإنجيلية لمساعدته على التوبة والثبات على الطريق المستقيم.
وفي هذا الصدد، قال لصحيفة «The New York Post»: «عشت دائماً مؤمناً بالله. أعتقد أنَّ الله أعطاني القوة لتحمّل كل ما عانيته في حياتي بسبب هذا العمل الآثم اللعين. وأعلم أنَّ ما فعلته كان خطأ».
وأوضح أنه لم يخبر قط أبناءه أو والديه، اللذين توفيا منذ فترة طويلة، عن طبيعة عمله. وينسب الفضل إلى زوجته، التي التقى بها أثناء عملها نادلة في إحدى الحانات بالأمازون، في تشجيعه على ترك مجال القتل والاغتيالات والالتزام بتعاليم عقيدته.
يقول سانتانا: «زوجتي هي حب حياتي. هي مَن أعطتني القوة لتجاوز كل شيء مررت به. أنا بدونها ما كنت سأفعل شيئاً طيباً».
يعيش سانتانا حالياً بهدوء في بلدة لم يذكر اسمها في إحدى المناطق الداخلية بالبرازيل. ويرفض التقاط صورة كاملة له لأنَّه يقول إنَّ جيرانه لا يعلمون شيئاً عن ماضيه، مضيفاً أنه الآن يمتلك مزرعة صغيرة مع وزوجته يزرعان فيها الخضراوات.
كان سانتانا، في مرحلةٍ ما من حياته، يُدوّن في دفتر مدرسي ملاحظات دقيقة عن كل عملية قتل يُنفّذها، وهوية الجهة أو الشخص الذي استأجره، ومكان تنفيذ العملية ومقدار المبلغ المدفوع له في المقابل.
لكنه توقف عن تسجيل عمليات القتل بعد أن بلغ عدد ضحاياه 492 شخصاً.
يقول سانتانا: «لا أرغب في التفكير بهذا الأمر مُجدًّداً. لقد انتهى هذا الفصل من حياتي».