الأنباط -
بثينة الخريسات
كثر الكلام حول صفقة القرن، وبات كلٌ يفسر هذا المصطلح على طريقته ويكيل الاتهامات للمملكة دون اية قراءة عميقة للوضع السياسي للمنطقة ودون فهمه لسياستها، حيث لايمكن ان يتوصل اياً كان لنتيجة ان قرارات الاردن ستكون بعيدة عن المصلحة العامة للشعب الاردني والشعوب العربية، لان الجميع يعلم أن الاردن كان ومازال سبّاقا في اي اجماع عربي.
وكالات اعلامية نقلت بان الاردن باتت على اطلاع كامل بتفاصيل صفقة القرن التي يتحضر الرئيس الأميركي دونالد ترمب لإعلانها مع ابدائها مرونة حيالها، ولكن هل يعني ذلك تغييرا في الموقف الاردني حيال الموضوع؟
ان من يتمعن بالمواقف السياسية للمملكة على مر التاريخ، سيرى وبكل وضوح بان الموقف الحالي للاردن، لا يعني بالضرورة الموافقة على كل ما تتضمنه ، الا انه يمكن ان يكون بمثابة حد وضعته المملكة امام الولايات المتحدة وترمب لضمان عدم تعريض مصالح البلد السيادية للخطر، والاهم من كل ذلك مايعتبره الاردنيون خطاً احمراً، والمتمثل بعدم المساس بـالوصاية الهاشمية في القدس، وهذا مايؤكد بان هذه الصفقة تضمنت العديد من النقاط الجديدة التي وضعت بطلب والحاح من قيادتنا في الاردن.
ومن المسائل التي ذكرت وتم تسريبها حول هذا الموضوع، هو الغاء قرار فك الارتباط الذي كان العاهل الأردني الراحل الملك حسين قد اتخذه في عام 1988، والذي كان ينص على انهاء ارتباط الضفة الغربية إدارياً وقانونياً مع الأردن، وكان يعرف باإسم وحدة الضفتين، فإن فرضنا صحة هذا الكلام هل يمكن للاردن ان يتخلى عن فلسطين والقضية المركزية لكل الشعوب طيلة اكثر من سبعة عقود بعد كل التضحيات التي قدمها الاردن حول هذا الموضوع؟
لقد كان الاردن دوما سباقاً لحل المشاكل العربية بدليل مبادراته للتقريب في وجهات النظر بين الدول العربية وحماية امن وسلامة فلسطين حيث حاولت المملكة كثيرا ان تكون فلسطين بمنأى عن الكثير من المشاكل التي كان من المتوقع ان تصيبها في اية لحظة واخذت على عاتقها وفي عهدي المغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال وجلالة الملك عبدالله بن الحسين مهمة حل القضية الفلسطينية في اكثر من مبادرة ومؤتمر وجلسة، ومازلنا نذكر كلمة جلالة الملك عبدالله في الاتحاد الاوروبي والذي اكد وبكل شفافية ووضوح على ضرورة الخروج بحل يضمن السلام ويرضي جميع الاطراف ويضمن حياة مستقرة لشعب فلسطين.
وقد شرح جلالة الملك عبدالله الثاني ولاكثر من مرة موقف الاردن من صفقة القرن، واكد فيها بان المملكة لايمكن ان تتخلى عن اشقائها العرب من فلسطين وغير فلسطين على الرغم من كل الضغوط التي تواجهها المملكة من العديد من الاطراف لتمرير مصالحها الشخصية، لكن جلالة الملك عبدالله ظل صامدا وهو يدافع عن الحق الاردني ومستقبل فلسطين وضرورة بقاء السيادة الهاشمية على القدس والتي لايمكن التفريط بها تحت أي ظرف او مسمى.
وكان العرب جميعاً قد شهدوا على مواقف الاردن الشعبية والحكومية وبالاعتماد على هذه المعطيات، لايمكن الا ان نفسر بان المصلحة الاردنية العامة لاتنفصل عن المصلحة العربية ولايمكن ان يفرط بشبر من الارض، لكنه لايمكن ايضاً ان يبقى صامتا تجاه التهديدات التي تواجه المنطقة العربية ولايمكن ايضا ان يضحى بلا موقف، بل ان المملكة هي التي ستكون البوصلة التي ستحدد مصير المنطقة .
لقد كان لموقع المملكة الجغرافي تاثيراً كبير على الكثير من المواقف الدولية في المنطقة، كما لعبت السياسة الثابتة الحكيمة التي اتبعتها الاردن دورا مهما في الاحترام المنقطع النظير للمجتمع الدولي لها واللجوء اليها في وقت الشدة وفي كل مستجد تمر به المنطقة، وخصوصا اليوم وفي ظل ماتريد الولايات المتحدة تنفيده تحت مسمى صفقة القرن، حيث لايمكن ان تتجاهل واشنطن مطالب المملكة في حل سياسي وانساني للمنطقة والبدء بصفحة جديدة تجنب تداعياتها المنطقة حروبا وكوارث لايمكن ان نتركها كإرث لجيل عاش في نهضة تكنولوجية وتطور فاق ماشهدته العصور التي مضت.
ولكل من يريد ان يثبت فصاحته على حساب المملكة اقول : ان الاردن هي محور الاحداث، ولايمكن ان تمر اية خطط وتسويات سياسية دون ان يكون للمملكة فيها شرط وقول واجب التنفيذ، وفعلا، سيكون كلامها مسموعا ومنفذا لا لشيء سوى لانها تعرف كيف ومتى تتصرف ومتى تبادر وترفض وتثبت مطالبها، ولن تفرط في المصلحة الاردنية، ولايمكن ان تتخلى عن فلسطين.