في فيديو تقليدي على منصة «تيك توك» التي يعتبر معظم مستخدميها من صغار السن وينشرون مقاطع الفيديو لمجرد المرح، كانت الفتاة المراهقة تحمل في يدها أداة تركيب الرموش الصناعية، وبدأت المقطع وهي تقول في براءة: «مرحباً، يا رفاق. سوف أعلّمكم كيف تُطيلون رموشكم».
وبعدها بثوان، طلبت من المشاهدين إلقاء أدوات تركيب الرموش جانباً، وقالت: «استخدموا هواتفكم التي بين أيديكم الآن للبحث عما يحدث في الصين، ومعسكرات الاعتقال التي يقيمونها، ويلقون فيها المسلمين الأبرياء»، وهو موضوع جد خطير لا يطرح غالباً للمناقشة على هذه المنصة الشبابية.
إذ يطرح هذا المقطع الذي يبلغ طوله 40 ثانية وحصد أكثر من 498 ألف إعجاب موضوعاً خطيراً، وهو الاعتقالات الجماعية للأقلية المسلمة في شمال غرب الصين، أمام جمهور ربما لم يكن يعرفه من قبل، وفق صحيفةThe New York Timesالأمريكية.
لكن صاحبة الفيديو،فيروزا عزيز، قالت هذا الأسبوع إن «تيك توك» حظرت حسابها بعد أن نشرت مقطع الفيديو. وقد زاد ذلك من المخاوف الواسعة إزاء المنصة: تحديداً من أن مالكتها، شركة التواصل الاجتماعي العملاقة الصينية ByteDance، تراقب أو تحظر مقاطع الفيديو التي قد لا تروق للحكومة الصينية.
إلا أن جوش غارتنر، المتحدث باسم شركة ByteDance، قال إن حساب فيروزا حُظر لأنها استخدمت حساباً سابقاً لنشر مقطع فيديو كان يحوي صورة لأسامة بن لادن. وقال غارتنر إن هذا ينتهك سياسات تيك توك ضد المحتوى الإرهابي، ولهذا السبب حظرت المنصة حسابها والأجهزة التي تنشر منها.
وقال غارتنر: «لو أنها حاولت استخدام الجهاز الذي استخدمته المرة الأخيرة، فربما تواجه مشكلة».
فيما قالت فيروزا عزيز، وهي طالبة مسلمة تبلغ من العمر 17 عاماً وتدرس في مدرسة ثانوية في نيوجيرسي، في رسالة بالبريد الإلكتروني للصحيفة الأمريكية، إن مقاطع الفيديو التي تنشرها على «تيك توك» تحاول تسليط الضوء على العنصرية والتمييز اللذين عاشتهما أثناء نشأتها في الولايات المتحدة.
ففي أحد مقاطع الفيديو، تحدثت عن مصطلح عنصري تقول إنها وغيرها من المسلمات يسمعنه بصفة شبه دائمة: وهو «أنهن سيتزوجن من بن لادن». وقالت عزيز: «أعتقد أن تيك توك يجب ألا تحظر المحتوى الذي لا يؤذي أي شخص أو يظهر أي شخص يتعرض للأذى».
في الأشهر الأخيرة، أعرب مشرعون في الولايات المتحدة عن مخاوفهم إزاء مراقبة «تيك توك» لمحتوى مقاطع الفيديو بناء على طلب من بكين وإطلاعها السلطات الصينية على بيانات المستخدمين.
وقد نفى رئيس تيك توك، أليكس تشو، هذه الاتهامات في مقابلة مع صحيفةThe New York Timesهذا الشهر. وقال تشو إن الجهات التنظيمية الصينية لا تؤثر على «تيك توك» بأي شكل من الأشكال، وحتى شركة ByteDance لا يمكنها التحكم في سياسات المنصة الخاصة بإدارة محتوى مقاطع الفيديو في الولايات المتحدة.
لكن مقاطع مثل مقطع فيروزا تظهر مدى صعوبة تحاشي «تيك توك» لهالة الشك التي تحيط بها وشركات التكنولوجيا الصينية الأخرى.
إذ تفرض الحكومة الصينية رقابة صارمة على الإنترنت داخل حدود البلاد. وهي تمارس نفوذها، في بعض الأحيان بطريقة خفية، على أنشطة الشركات الخاصة. ومكمن الخوف هو أنه عندما تتوسع شركات مثل ByteDance وشركة هواوي للاتصالات في الخارج، فإن أذرع بكين الطويلة تتبعها.
من المؤكد أن الصين تحبذ ألا يتحدث العالم عن حملتها القمعية على المسلمين. فخلال السنوات القليلة الماضية، وضعت الحكومة ما يصل إلى مليون منالإيغور، والكازاخيين وغيرهم في معسكرات الاعتقال والسجون.
ويصف القادة الصينيون هذه الإجراءات بأنها حملة بسيطة ونزيهة لمحاربة التطرف الإسلامي. لكن بعض وثائق الحزب الشيوعي الداخلية التي نشرتها صحيفةThe New York Timesهذا الشهر قدمت لمحة من الداخل عن الحملة القمعية وأكدت طبيعتها القسرية.
ويُذكر أن وزير الخارجية مايك بومبيو قال في مؤتمر صحفي في واشنطن، يوم الثلاثاء 26 نوفمبر/تشرين الثاني، إن الوثائق أظهرت «الاحتجاز الوحشي والقمع المنهجي» للإيغور، وطالبت الصين بالإفراج الفوري عن المعتقلين.
بيد أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رفض فرض عقوبات على المسؤولين الصينيين الذين يعتبرون مسؤولين عن هذه الحملة، رغم توصيات بعض المسؤولين الأمريكيين بفعل ذلك.