ماذا تبقى من الضفة الغربية؟
بلال العبويني
الشرعية الدولية مازالت تعتبر المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية غير شرعية، باعتبار أن الاحتلال الإسرائيلي ينقل بذلك "دولة إسرائيل" إلى أراضي الدولة الفلسطينية التي تم الاتفاق على إقامتها داخل حدود الرابع من حزيران عام 1967.
لكن ما قيمة هذا التمسك مع إعلان الإدارة الأمريكية أن المستوطنات بالضفة "قانونية"، ومع ما قيل عن إعطاء نتنياهو الضوء الأخضر لضم مناطق "غور الأردن" من جهة فلسطين المحتلة لـ "دولة الاحتلال"؟.
بل ما قيمة هذا التمسك مع الأمر الواقع الذي يفرضه الاحتلال على الأرض، منذ أن شرع في التوسع ببناء المستوطنات العام 1997 امتثالا لخطة مبرمجة وضعها عام 1979.
الأرقام المعلنة من قبل مؤسسات فلسطينية رسمية حول النفوذ الإسرائيلي في مناطق الضفة الغربية، تعتبر دليلا دامغا على الانقلاب على ما تم الاتفاق عليه، بل هي دليل على مضيها قدما في تنفيذ خطة ما سُمي بـ "صفقة القرن" دون الإعلان عن ذلك مباشرة كما أشرنا في مقالات سابقة، عبر فرض أمر واقع لا منفذ للهرب منه.
حسب بيانات دائرة شؤون المفاوضات الفلسطينية، التهم الاحتلال أكثر من 51.6%، من مساحة الضفة الغربية (بما فيها القدس الشرقية)، البالغة نحو 5,860 كم².
فالمستوطنات في الضفة الغربية سيبلغ عددها مع نهاية العام الحالي نحو 150 مستوطنة، و128 بؤرة استيطانية (غير مرخصة)، بالإضافة إلى 15 مستوطنة في القدس المحتلة.
سلطات الاحتلال تغلق أراض مساحتها نحو 20% من إجمال مساحة الضفة بحجة أنها عسكرية، وتضيف إليها 20% من مساحة أراضي الضفة الإجمالية بحجة أنها أراضي دولة.
والاستيطان يزداد بشكل كبير في الضفة الغربية، حيث صادق الاحتلال العام الماضي فقط على بناء 9300 وحدة استعمارية جديدة بالضفة الغربية، بالإضافة إلى إقامة 9 بؤر استعمارية أُخرى.
لذلك، فإن هذه الأرقام الصادمة إضافة إلى 12% من أراضي الضفة الغربية التهمها جدار الفصل العنصرب، تطرح سؤالا عميقا عن جدوى كل الذي نستمع إليه عن قرارات الشرعية الدولية وعن تمسك العرب بما اتفقوا عليه في قمة بيروت عام 2002 والقاضي بإقامة دولة فلسطين المستقلة على 21% من أرض فلسين التاريخية.
فما الذي تبقى من الـ 21% لإقامة دولة عليها؟، بالمطلق لم يتبق شيئا، فما تبقى حوّل الفلسطينيون إلى مجاميع بشرية تعيش في أشبه بـ "كونتونات" مغلقة ومتباعدة، ما يستحيل معه إقامة كيان "جيوسياسي" قابل للحياة.
حكومة الاحتلال بالتعاون مع الإدارة الأمريكية، تعمل على تنفيذ ما سُمي بـ "صفقة القرن" أولا بأول، وللأسف يساهم العرب بتفرقهم وانشغالهم بخلافاتهم الداخلية والبينية بذلك، وقبل ذلك تساهم القوى الفلسطينية، للأسف، به بما هي عليه من انقسام وتباعد يصل حد العداء لدرجة الاستنجاد بالعدو الإسرائيلي لتأزيم ومعاقبة الآخر.
لذلك، لجوء السلطة الفلسطينية إلى الأمم المتحدة أو لمجلس الأمن لإثبات بطلان القرارات الأمريكية لا قيمة وهو كلام عاطفي "رومانسي" مثله مثل القول إن الاحتلال إلى زوال وأن قرارات أمريكا ستسقط كما سقط مشروع "صفقة القرن".
الإقرار الدولي ببطلان الإجراءات الإسرائيلية والأمريكية يبقى بلا قيمة دون نزع قرار رادع يجبر واشنطن وتل أبيب على التراجع إلى الوضع الذي كان سائدا ما قبل العام 1997 على الأقل في المرحلة الأولى.
وهذا لا يكون إلا بعودة الوضع في فلسطين إلى ما قبل العام 2006، وتشكيل غرفة عمليات مشتركة بين مختلف القوى لتكون أداة ضغط رادعة تجبر الاحتلال على وقف مشاريعه وغطرسته، وإلا فإن القضية الفلسطينية ستواصل مسيرتها نحو التصفية لا محالة.