الأنباط -
بقلم: عماد عبدالقادر عمرو
بعد سبعة عشر قرنًا، عادت كنيسة العقبة الأثرية لتروي حكاية إنسانية وتاريخية تستحق أن تُخلّد. على بعد أمتار قليلة من مدينة إيله الإسلامية، حيث كان التعايش بين المسلمين والمسيحيين قاعدة حياة، احتفل العالم من خلال أول قداس يُقام فيها منذ مئات السنين، ليُثبت أن روح التسامح والتعايش ليست مجرد ذكرى، بل واقع حي يتجدد.
ما جرى في الكنيسة الأثرية ليس حدثًا عابرًا، بل استنهاض لتاريخ زاخر بالعدل والإنسانية، ورمز حي لوحدة وطنية راسخة. هذه الكنيسة، التي شهدت أزمنة متعاقبة، كانت شاهدة على فجر الإسلام، وعلى حياة شعب إيله الذي عاش في وئام واحترام متبادل. واليوم، ومع كل حجر تم ترميمه، ومع كل جدار أُعيد تأهيله، ينعكس هذا التاريخ على حاضر الأردن المشرق، مؤكدًا أن التسامح والتعايش والسلام ليست شعارات فارغة، بل أسس متينة لوحدة وطنية يعيشها الجميع.
وكان ترميم الكنيسة وتأهيلها ضمن أولويات مجلس محافظة العقبة، إيمانًا بأنها ثروة قومية يجب الحفاظ عليها واستثمارها في مجالات متعددة، في مقدمتها السياحة الدينية وربطها بالمسارات الثقافية والتاريخية للمدينة. وانطلقت منذ ذلك الحين جهود متواصلة من مختلف الجهات المعنية، لتتوج اليوم بافتتاح الكنيسة وإقامة أول قداس فيها منذ سبعة عشر قرنًا، معلنة مكانتها المستحقة على خارطة السياحة الدينية والتاريخية.
واليوم، ومع افتتاح وزير السياحة والآثار لكنيسة العقبة الأثرية، تدخل الكنيسة رسميًا خارطة السياحة الوطنية والعالمية بوصفها مسارًا سياحيًا جديدًا وجسرًا تاريخيًا يربط بين الحضارات المتعاقبة، ويعزز مكانة العقبة كمدينة تحتضن تنوعًا ثقافيًا ودينيًا فريدًا. ويشكّل هذا الافتتاح خطوة نوعية في توظيف الإرث الحضاري للأردن ضمن منظومة السياحة المستدامة، بما يعكس عمق التاريخ الأردني ورسالة الدولة الراسخة في ترسيخ قيم التسامح والتعايش والانفتاح على العالم.
هذا الإنجاز ليس نهاية الطريق، بل بداية فصل جديد من قصة مدينة إيله الإسلامية. فالاكتشافات الأثرية التي تتوالى، وأعمال الترميم التي تنفذ بوتيرة متقدمة، ستكتمل معها ملامح المشهد التاريخي والثقافي للمدينة القديمة، لتبقى شاهدًا حيًا على عظمة الأردن، وعلى حضارة امتدت عبر القرون، تعكس قدرة الإنسان على الحفاظ على إرثه وإحياء قيمه الإنسانية مهما طال الزمن.
إن فتح أبواب كنيسة العقبة اليوم ليس مجرد حدث ديني أو سياحي، بل رسالة واضحة للعالم بأن الأردن بلد التسامح والتعايش، حيث يلتقي التاريخ بالحاضر، وحيث الإنسانية والسلام ليسا مجرد كلمات، بل واقع نعيشه ونفخر به.
رئيس مجلس محافظة العقبة سابقاً