هناك الكثير جداً من أفلام مخيفة و رعب الاستثنائية التي تملك القدرة على بث الخوف في قلوب المتفرجين. تولد مشاعر الخوف من أشياء عدة: عدم الطمأنينة، والانزعاج، والاستفزاز، وكلها ليست محصورةً بالتأكيد داخل فئة الرعب وحدها.
وتشمل هذه القائمة عدداً من الأفلام المرجَّح أن تفزع المشاهدين بطرق متنوعة ولأسباب شديدة الاختلاف، وبعضها يستعصي توصيفه ضمن فئة معينة.
ومع ذلك، فستُشعر معظم عشَّاق السينما بالاضطراب، وتنجح جميعها في ترك انطباع كابوسي.
وبحسب ما نشره موقعTaste of Cinema، فيما يلي أكثر 8 أفلام مخيفة، لكنها لا تنتمي إلى فئة أفلام الرعب!
«هذه ليست الأرض. إنه كوكب آخر، متأخر بنحو 800 عام».
مصدر إبهار «Hard to be a God» لأليكسي جيرمان، أنه استغرق 6 سنوات لتصويره، و6 سنوات بمرحلة ما بعد الإنتاج.
وتتضح جميع المجهودات الشاقة التي بُذلت في النسخة النهائية من الفيلم. إنه حقاً عمل فني استثنائي.
ويُعد الكتاب الأصلي من عام 1964 بقلم الأخوين ستروغاتسكي -المشهورين بـ»Roadside Picnic»، التي حوَّلها أندري تاركوفسكي إلى فيلم «Stalker»- من أهم أعمال أدب الخيال العلمي، الذي دأب جيرمان عقوداً على تنفيذه على شاشة الفيلم.
للأسف، لم يُعرَض هذا الإنجاز الثوري إلا بعد وفاة مخرجه وتولِّي ابنه، أليكسي جيرمان جونيور، مهمة إتمامه، فعُرض في مسابقة بمهرجان روما السينمائي عام 2013 في غضون عام من وفاته، ولقي نجاحاً واسعاً بين النقاد.
ويتبع الفيلم نفسه جماعةً من العلماء يقطعون رحلةً إلى أركانار: وهو كوكب لم يتجاوز بعدُ حقبة العصور الوسطى. وقد عمَّت الفوضى أرجاء المجتمع الذي يشهدونه، إذ تعتقل السلطات الوحشية أي أحدٍ يُبدي أماراتٍ على الذكاء أو التفكير المستقل.
ليس فيلماً للمشاعر، بل لحاسَّتي الشم والتذوق، وهذا ما يجعله تجربة سينمائية جنونية ومقززة إلى أقصى الحدود.
يُعد المخرج النمساوي مايكل هانيكي من أعظم صنَّاع الأفلام الحاليين، ومنذ بداية القرن الحادي والعشرين، نال إشادةً كبيرةً من النقاد عن كل مشروع.
لكن بالنسبة إلى العالِمين بأعمال المخرج، فقد برزت مهارة هانيكي الواضحة في عرض السلوك البشري وتحليله منذ بداية مسيرته الفنية، وهو الأمر الذي سرعان ما ناقشه النقاد المشدوهون عقب بدايته الإخراجية السينمائية في 1989: «The Seventh Continent».
لكن أساس معرفة كثيرين بهانيكي عبر أوائل أعماله، كان واضحاً وضوحاً مخيفاً في أول أفلامه، الذي يصوِّر المعيشة البسيطة لأسرة من الطبقة الوسطى حتى مرحلة التدمير الذاتي.
يتناول الفيلم التدهور المجتمعي والعنف وتأثير وسائل الإعلام، وكلها علامات مميزة لأعماله، إلا أنه يتحرَّاها جميعاً هنا بتحفُّظ مربك للغاية.
وباختياره تصوير لقطات للعادات اليومية الرتيبة وعرضها بفصولٍ تخرج عن هذه الدائرة المفرغة، يتناول هانيكي هشاشة الحياة الأسرية المترابطة.
فمثلاً، تشجِّع لقطة إلقاء النقود في مقعد المرحاض المتفرجين على مواجهة الأنانية والطمع، وتجبرهم على إعادة تقييم ما هو مهم في الحياة والتشكيك فيه.
إن «The Seventh Continent» تقديم كئيب وضروري لمن لم يتعرَّفوا بعدُ على أحد أبرز فنَّاني السينما. مشاهدته شديدة الإزعاج، والأهم أن نسيانها مُحال.
ليس بإمكان أحد إنكار أهمية هذا الفيلم فيما يتعلق بالتاريخ البولندي. ففي وقت صدور الفيلم، ثار سخط السلطات البولندية من تحليل كيسلوفسكي آثار العنف، حتى أعلنوا إرجاء تنفيذ أحكام الإعدام مدة خمس سنوات.
لن يفاجأ من حَظَوا بامتياز مشاهدة «A Short Film about Killing» باكتشاف قدرته على إحداث تغيير اجتماعي، فقصَّته المروِّعة عن الجريمة والعقاب نظرة خالدة إلى القتل الوحشي، تجب مشاهدتها على كل من يعرفون بها.
بعد جريمة قتل عشوائية لسائق أجرة، تحاكم الدولة شاباً فاتر الحسِّ وتحكم عليه بالإعدام عن جرائمه.
وسردُ الفيلم مؤثر للغاية، بسبب طريقة تصوير الأحداث يدوياً، وهو ما يقدِّم للمتفرجين كثيراً من التفاصيل المزعجة في صنع عمل سينمائي واقعي يحاكي أساليب الأفلام الوثائقية ويستخدمها بصورة مرعبة.
يتناول كيسلوفسكي جريمة القتل التي ارتكبها شاب مضطرب عقلياً بالمقارنة مع جريمة القتل التي ارتكبتها الدولة تجاه هذا الشخص: باردة وقاسية، ويمكن العثور على أوجه تشابه بينهما؛ وهو ما أدَّى سريعاً إلى اعتبار الفيلم معبِّراً عن موقف سياسي.
لطالما كانت فظائع الحرب محل اهتمام عديد من المخرجين المَهَرة والمتفرجين على حد سواء، ولذلك من المفاجئ أن «Come and See» لكليموف هو ربما أفضل أفلام الحرب في التاريخ، ومع ذلك فعدد من شاهدوه قليل إلى درجة مسيئة.
يُعد الفيلم أحد أروع إنجازات السينما السوفييتية كلها، وتتناول تحفة كليموف الاحتلال النازي لروسيا البيضاء إبان الحرب العالمية الثانية، من منظور ولد صغير ينضم إلى المقاومة السوفييتية بعد اكتشافه بنادق مدفونة.
تُصوَّر أهوال الحرب هنا على أنها غامرة، وبإصراره على توصيل رسالته بهذه الصور المزعجة، تبدأ الحرب بالتدريج اتخاذ شكل هلاوسي؛ كما لو أن عالم الخوف والدماء قد أحدث في الشخصيات المحيطة تشوهاً، مهدِّداً البطل في أثناء سعيه وراء النجاة في بيئة شبيهة بأعماق الجحيم.
بالتأكيد ثالث أفلام الكاتب والمخرج الفرنسي هو من أكثر الأفلام إثارةً للجدل، وصدمةً، وربما أقلها نجاحاً على هذه القائمة. لكنه لا شك قد استحق مكانه فيها، وسيعلم من شاهدوه سبب ذلك بالتأكيد.
يمكن أن تتركك بعض الأفلام محبَطاً مع اقترابها من نهايتها، وبينما يخفق بعضها في ترك انطباع نهائي، يتمكَّن بعض صناع الأفلام من قلب الطاولة تماماً ولفت انتباهك، مع ختام السرد فجأةً بطريقة غير متوقعة.
ولا يحقق دومون هذا الأمر الثاني مع «Twentynine Palms»، بل ينجح بالنهاية في تخديرك طوال أغلب مدة عرض الفيلم، ثم إخافتك حتى الموت في لحظاته الأخيرة.
وسواء كانت هذه مجرد صدمة لتبرير سلسلة من المشاهد الرتيبة وغير المثيرة، أو كانت في الحقيقة طرحاً قاسياً ينكر الإنسانية والفجائية أو سلوكنا المتطرف، فهذا يرجع إلى وجهة نظر كل مشاهد.
يعتبر كثيرون ثالث أفلام المخرج السويدي لوكاس موديسون أفضلها، ومن الصعب الاختلاف مع هذا.
فهذه الحكاية عن الأمل والهجران والمعاناة مفجعة في مشاهدتها، ومُحالٌ إنكارها.
الفيلم في الواقع مستوحىً في معظمه من حياة الفتاة الليتوانية دانغولي رازالايت، التي وجدت نفسها في السويد بعد هروب والدتها إلى أمريكا.
شخصية فولوديا متخيَّلة، لكن عدا ذلك، فإن سيناريو موديسون يحاكي الأحداث الحقيقية بدقة، وهو ما يزيد من حدَّته.
الجمهور على وعي تام بواقعية قصص كهذه، لكنَّ هناك شيئاً ما في مأساة ليليا يصعق المشاهدين حتى أعمق أعماقهم، وهذا لأن فيلم موديسون تحفة فنية متقنة الصنع.
إذ يحكي قصة ليليا، البالغة من العمر 16 عاماً، وصديقتها الصغيرة فولوديا، وهما تعيشان في إستونيا وتتوقان إلى العيش في مكان آخر.
وبعد أن هجرتها أمها، صارت تتعلَّق باستماتة بأي أحد بإمكانه منحها ولو جرعة من السعادة، وتلتقي رجلاً يعِد بمنحها حياةً جديدةً في السويد.
العلاقة بين ليليا وفولوديا علاقة جميلة: فاعتماد كل منهما على الأخرى في التعلُّق بالأمل أمر ملهم، ولكن للأسف يعمى العالم عن وجودهما.
كلتاهما شخصية يريد الجمهور بشدةٍ إنقاذها، وهو ما يجعلها تجربةً مهولةً، في حين نشاهد تعرُّضهما لإساءات تُجرِّدهما من الإنسانية.
ستظل عبودية البشر على الدوام مداراً للبحث، وأفلام كهذه -التي تتناول بشاعة الإنسان بلا هوادة- بالغة الأهمية في التصدي لمشاكل حقيقية وجرحنا بصورها للنساء المحطَّمات.
حتى إن منظمات حقوق الإنسان تستشهد بهذا الفيلم لتصوير أهوال المعاملة الإنسانية، وفي مولدوفا، حصلت منظمة الهجرة الدولية على حقوق توزيع الفيلم، ونظَّمت عدة عروضٍ لآلاف الجماهير من العامة.
دائماً ما تكون أواخر أفلام المخرجين مهمةً. فهي انطباعهم النهائي في هذا المجال، وإنجازهم الأخير، وعبارة ختامية لمهارتهم في صناعة الأفلام.
وهناك بعض الأمثلة المذهلة، مثل «Eyes Wide Shut» لستاني كوبريك، و «The Sacrifice» لأندري تاركوفسكي، و «L’argent» لروبرت بريسون، وبالطبع الفيلم الذي يعلمه كثير منكم جيداً، «Salo» أو «120 Days of Sodom» لبيير باولو باسوليني.
وقد شهد هذا العقد عنواناً آخر هو «The Turin House» لبيلا تار، الذي نجح نجاحاً مدهشاً في ختام مسيرة فريدة واستثنائية وتلخيصها.
إن اللقطة الأخيرة من «Santantango» لتار لقطة لا تفارق الذهن، وهي نهاية تبدو مكرَّرةً في فيلمه الأخير: صورة للعالم وهو ينغلق، سواء وضعت الشخصيات أنفسها داخل عوالمهم الصغيرة الخاصة بهم، أو ابتلعهم الظلام بأكملهم.
وفي كلتا الحالتين، يقدِّم المخرج وداعاً حاسماً، بعد منحنا رؤيةً طيفيةً لكونٍ لن ننساه أبداً.
وهنا، تُعرَض للمشاهدين نتيجة اللقاء الشهير بين نيتشه وحصانٍ تعرَّض لسوء معاملة، وهو ما له عميق الأثر.
يصوِّر المخرج المجري الروتين اليومي لرجل وابنته وهما يكافحان الوجود وسط عالمٍ واسعٍ مُنتهٍ.
وقد قال المخرج العظيم إن فيلمه الأخير هو عن «ثقل الوجود البشري»، ولا يوجد وصفٌ أفضل له.
حين تنطفئ اللقطة الأخيرة، من المرجَّح أن ينكمش المشاهدون في الظلام، ويظلوا بجانب الأب وابنته، متسائلين: متى سينتهي العذاب الفلسفي؟ وطوال استمرار اللقطة، تمثِّل شاهداً لسينما بيلا تار.
ربما هذا الفيلم مؤهل لتصنيفه ضمن فئة الرعب في حد ذاته، لكن من السخف محاولة تصنيف أي شيء يصنعه لينش، لا سيما «Inland Empire»، الذي استمتع به محبُّو لينش حين قرَّر المخرج الناجح العمل بالتسجيل الرقمي للمرة الأولى.
وقد صرَّح النجمان لورا ديرن وجاستن ثيرو علناً بأنهما يجهلان تماماً قصة الفيلم، وتحيَّر مسؤولو التسويق في كيفية الترويج للفيلم، لكن أفضل طريقة للتعبير عن جوهر الفيلم هي الرجوع إلى أصل المشروع.
ذات يوم، تلقَّت لورا ديرن مكالمةً هاتفيةً من لينش: «أتريدين المجيء وإجراء تجربة؟»، وحتماً كانت الإجابة «نعم» بحماسة.
ممثلة تحصل على دور البطولة في إعادة صناعة لفيلم بولندي غير مكتمل الإنتاج، تعرَّض لمأساة عظيمة.
ومع بدء التصوير، تلاحظ أن أحداث حياتها بدأت تشابه السيناريو، والبقية رعب «لينشي» خالص.
لم يكن هناك مفرٌّ من الانقسام حول هذا الفيلم، وحتى بعض محبِّي لينش قد أُحبطوا من عمله هنا.
إلا أنه معشوقٌ لدى كثيرين، وقد يكون أقرب نظرةٍ سنحظى بها إلى داخل عقل أحد أذكى المخرجين في تاريخ السينما. إنه كابوس متاهيٌّ يستطيع فيه إسقاط كثير من الأفكار التي تجتمع كلها، وتبدو متكاملةً بطريقة لا يقدر عليها إلا ديفيد لينش.