المهندس عامر الحباشنة
مع كل ما حصل ويحصل من مطالب ومواقف وتجاذبات رافقت إضراب المعلمين، ودون الخوض في التفاصيل بالساعة واليوم، منذ بدأت مطالب المعلمين في المجالس النقابية السابقة وحتى المجلس الحالي ،حيث هناك محطات تستحق التوقف للتعلم والعظة، وبعيدا عن حالة الاستقطاب الحاصل بين النقابة والوزارة وما رافقه من مواقف متبانية وخطابات عبر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وهذا امر مفهوم في هكذا أجواء، فكل طرف يجتهد في استخدام كافة الأدوات لإثبات وجهة نظره وتوجيه الرأي العام والتأثير به.
ولأن التقييم النهائي لمسار الأحداث والمواقف من المبكر الحديث عنه ويحتاج إلى مراجعة اكثر عمقا وتفصيلا وتخصصا، فإنه يمكن اعتبار ان هناك ثوابت لا خلاف عليها وان اختلفنا في طريقة وأساليب تحقيقها، ومن هذه الثوابت..
1.. الحق الطبيعي لقطاع المعلمين في المطالبة بتعديلات ملموسة على مستوى الدخل والأداء وبما يتناسب مع انعكاسات الوضع الاقتصادي والدور المناط بقطاع التعليم وعموده ومحورة الأساس المعلم.
2..الاختلاف حول الأدوات والاجتهادات للوصول لهذه الحقوق امر من حق الأطراف الاختلاف فيه على نفس الأرضية، وهذا بالضرورة لا يعني عدم الإقرار بالحق.،وهنا ومع التفهم للمسار الذي اختاره مجلس نقابة المعلمين ضمن معطياته الذاتية والموضوعية ،فإن من حق الآخرين الإيمان بأن هناك خيارات أخرى سواء كان أكثر مرونة او تشددا .
3.. إن الموقف الحكومي ممثلا بالوزارة نابع من معطيات يفرضها واقع القدرة والهامش المتاح والموازنة المتاحة، وقد يكون نابعا من واقع يتم التعايش معه، وهنا يمكن القول ان هناك خيارات أخرى وفرق بين التعايش مع الواقع والاستسلام له وبين اجتراح الحلول لتغيير ذاك الواقع.. والميل العام في المزاج العام لتحميل الوزارة والحكومة المسؤولية كونها هي السلطة التنفيذية الحاكمة.
4.. منطق الحوار المعلن يتطلب من الطرفين السعي الجاد والاستعداد والحرص على الوصول لنتائج، ليست بالضرورة وجهة نظر احد الطرفين بل هي نقطة بين نقطتين يتم فيها التوافق واللقاء، واي تمسك من أي من الطرفين لا يسمى حوارا، سواء ورد من الحكومة او النقابة، فلا يمكن الحديث عن حوار والإصرار على الإملاء..
5.. التصعيد الحالي وخاصة خلال هذا الأسبوع لا يمكن فهمه إلا في إطار التجاذب الطبيعي، وإن تجاوز البعض او انصاره الحد المسموح به اجتماعيا وتربويا الأعراف العامة لمثل هذه الحالات، وهذا امر يتفهمة الناس وان لم يقبلوه او يبرروه.
لذلك، وفي مثل هذه الأجواء وحيث ان طرفي المعادلة قد وصلا لأفق مغلق عبر الحوار المباشر، فإن المطلوب تدخلا عبر وسيط مقبول للطرفين قادر على كسر الجمود وفتح آفاق للحوار والتوافق فيما تبقى من وقت ومساحة حركة قبيل استحقاق قرار المحكمة ايا كانت مآلاته.
وعلى هذه الأرضية وانطلاقا من مسؤولية الطرفين وحرصهما المعلن على استئناف العملية الدراسية، فإنه لا مصلحة لطرف في الوصول لافق مسدود، أو تسجيل حالة من الانتصار وكأننا في معركة بين معاديين، فالوزارة والنقابة يعملان ويتحركان على نفس المسرح بأصغره العملية التعليمية والطالب وأكبره الوطن والدولة..
وليس هناك مصلحة لمسرح عملهما الموحد ولا من المصلحة الوطنية إنكسار وتراجع اي من طرفي المعادلة، فمثلما انه من غير المقبول والمسموح عودة المعلم لغرفة الصف دون تحقيق مطالبه كليا او جزئيا لما لذلك من آثار سلبية على المعلم والعملية التربوية بيئة وطالبا، وكذلك ولاعتبارات مؤسسات الدولة وهيبتها فإنه من غير المقبول كسر إرادة الدولة عبر إحدي مؤسساتها.
ولأن المعلم والوزارة وكلاهما عنصر اسأس من عناصر الدولة، وكلاهما يعي معني التراجع الكلي لطرف على حساب طرف اخر، فإن المتاح أمام كلاهما خيارا اوحدا وهو الحوار والحوار، فالحكومة يجب أن تتفاعل بإيجابية وعمليه مع المطالب كليا او جزئيا، والنقابة تمتلك ممثلة بنقيبها ومجلس النقابة من الوعي ما يجعلها مؤهلين للوصول لتوافق وحل مقنع ويستجيب للمتاح من مطالبهم.
اخيرا، ان القبول بالحل العملي القابل للتطبيق من قبل النقابة لا يعني باي حال من الأحوال التنازل عن الحق في المطالبة، وهذا اساس وعرف نقابي تمارسه كافة النقابات المهنية منها والعمالية، وأن تراجع الحكومة عن مقترحها الاخير وتحسين معطياته للقبول من المعلمين لا يعني انتقاصا من موقعها وهيبتها وما تمثله من سلطة تنفيذية..
وعلى الطرفين ولتهىيئة الأجواء للتوافق التوقف عن اية خطوات تصعيدية في كافة الاتجاهات، كحصر المواقف النقابية والتصربحات بما تعلق باهداف الإضراب وتمحل وجهات النظر المخالفة ، وتوقف الوزارة عن ما يشير إلى تصعيد وعقوبات تدفع لصدام مع القطاع والميدان عبر إجراءات ظاهرها قانوني وباطنها التأثير على الإضراب.
مع المعلم.
مع الوطن
مع الحوار ولا غير الحوار وصولا للتوافق.