كتّاب الأنباط

قَلَمٌ وَمُسَطَّرَةٌ ومِمْحَاةٌ

{clean_title}
الأنباط -

 بعْدَ عُطْلَةٍ طويلة, أَقْتَرِبَ الْعَامَ الدِّرَاسِيَّ وَبَدَأَ عِيدُ الْأَطْفَالِ, اكْتظت الْمُكَاتِبُ وَالْأَسْوَاقُ بِالنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ, قَلَمٌ وَمُسَطَّرَةٌ ومِمْحَاةٌ يُرْفِقُهَا دَفْتَرٌ صَغِيرٌ لِكِتَابَةِ الْمُلَاحِظَاتِ, وَمُسْتَلْزَمَاتٍ أُخْرَى تَحْوِيهَا حَقِيبَةُ الْمَدْرَسَةِ الْجَدِيدَةِ ,لَا أُبَالغ وَلَكِنَّهَا حَقِيقَةً كَانَتْ لَيْلَةً مُمَيَّزَةَ تَمْزُجُهَا بَسَمَةُ الْأَطْفَال, وَفَوْضَى الْبُيُوتِ فِي الْمَدِينَةِ, أستعداد لِأَوَّلِ يَوْمِ دِرَاسِيّ . السَّاعَةُ الْعَاشِرَةُ وَنِصْفُ لَيْلًا,أَصْوَاتُ عَقَارِبِ السَّاعَةِ , زِيٌّ مَدْرَسِيّ مُعَلِّق وَحَقِيبَةَ الْمَدْرَسَةِ نَائِمَةً بِجَانِبِ ذَلِكَ الطِّفْلِ , وَهُدُوءُ الْمَدِينَةِ بَاتَ وَاضِحًا .

فِي صَبَاحِ أَوَّلِ يَوْمٍ دِرَاسِيّ, شُعَاعُ الشَّمْسِ الْخَفِيِّ, أَمْ صَوْتُ أُمِّي وَأَبِي يُوقِظُنِي لِلْمَدْرَسَةِ, أَظُنُّ أَنَّ شَوْقَي لِهَذَا الْيَوْمِ وَلِأَصْدِقَائِيِّ هُوَ مَنْ أَيْقَظَنِي, أَسْرَعْتُ لأرتداء الزِّيَّ وَ سَاعَدَتْنِي أُمُّي لِوَضْعِ حَقِيبَةِ الْمَدْرَسَةِ عَلَى ظَهْرِيَّ , ثُمَّ كَالْمُعْتَادِ أَخَذَتْ لِي صُورَةً تَذْكَارِيَّةً, وَذَهَّبْتُ مَعَ أَبِي لِلْمَدْرَسَةِ , كَانَتِ الشَّوَارِعُ مُكْتَظَّةً فَلَيْسَ فَقَطِ الْمُوَظَّفُونَ يملأونها بَلِ الطُّلَاَّبُ أَيْضًا , طُرُق يَسِيرُ فِيهَا طُلَاَّبُ الْعِلْمِ , صَوْتُ الْجَرَسِ وَطَابُورُ الصَّبَاحِ , الأذاعة الْمَدْرَسِيَّةَ وَدُخُولَ الصَّفِّ بِرِفْقَةِ الْأَصْدِقَاءِ وَمُعَلِّمَةٌ جَديدَةٌ , كَانَ يَوْمًا جَمِيلَا , تَحَدَّثْتُ لِأَصْدِقَائِيٍّ عَنْ عُطْلَتِي و أستمعت إِلَيْهِمْ , مُعَلِّمَتَي كَانَتْ مُحِبَّةً وَجَمِيلَةَ, رَحَّبَتْ بِنَا لِلْعَامِ الدِّرَاسِيِّ الْجَدِيدِ وَأَسْتَلمَنَا كُتُبَ هَذَا الْفَصْلِ . أُمُّي يَجِبْ عَلِيَّيْ أَنَّ أقْرأَ أَوَّلَ دَرْسٍ مِنْهُمْ, هَكَذَا قَالَتْ مُعَلِّمَتُي وَلَنْ أُخلِّفَ كَلَاَمهَا .

فِي صَبَاحِ الْيَوْمِ الرَّابعِ, بَدَأَ عَدَدُ الطُّلَاَّبِ يَتَقَلَّصُ بِالْمَدْرَسَةِ, وَمُعَلِّمَتَي لَا تُرِيدُ أَنْ تُعْطِينَا دِرْسًا. أَمَّا عَنِ الْيَوْمِ الْخَامسِ, فَكُنْتُ نَائِمًا فِي الْبَيْتِ كَبَاقِيِّ الْأَطْفَالِ . عِنْدَهَا عَلِمْتُ مِنْ أُمِّي أَنَّهُ إِضْرَابُ الْمُعَلِّمِينَ عَنِ التَّدْرِيسِ حَتَّى يَأْخُذُوا حُقوقَهُمْ. وَلَكِنَّ يَا أُمَّيْ أَلَسْتُ أَنَا صَغِيرًا لِتَحَمُّلِ مَسْؤُولِيَّةَ حُقوقِ الْمُعَلِّمِ, لِتَحَمُّلِ مَسْؤُولِيَّةَ أَنَّ الْحُكُومَةَ لَمْ تُوَافِق عَلَى طَلَبِهِم, ماذنبي أَنَا, لِيَتَعَلَّمَ طُلَاَّبُ الْبِلَادِ الْأُخْرَى, وَأَنَا أُظَلُّ أَنْتَظِرُ ذَلِكَ الْخِلَاَف بِبَلَدِيِّ أَنْ يُحَلَّ , هُم الْكُبَّارُ وَنَحْنُ الصِّغَارُ, هُم الْمُعَلِّمُونَ وَنَحْنُ الْمُتَعَلِّمُونَ, هُم الأجداد والأباء وَنَحْنُ الْأَجْيَالُ, نَتَعَلَّمُ مِنْهُمْ لِنَكْبَر وَتَنْضَج عُقُولُنَا, لِنَبْتَكِرُ وَنُبْدِعُ, لِنُسْهِمَ بِبِنَاءِ مُجْتَمَعِنَا, لِنَكُونَ فَخْرًا لَهُمْ يَوْمًا مَا, لَمَّا لَا تَعَلُّمُ الْحُكُومَةَ أَنَّ الْمُعَلِّمِينَ هُمْ الْعِلْمُ وَالطَّرِيقُ وَالنُّورُ, هُمْ سَبَبٌ لِيُزْهِرَ وَيَرْتَقِي هَذَا الْمُجْتَمَعِ, فَبِحَقِّهِمْ مَاذَا يَنْتَظِرُونَ, لَا نُرِيدُ إجَازَةً أكْبَرَ, فَعُقُولَنَا دَخَّلَت بِسُبَاتٍ وَكَادَت أَنَّ لَا تُوقَظ .

ضَاعَ الْعِلْمُ وَالْمُعَلِّمُ بَيْنَ الْأَرْجَاءِ يتخابطون, أَصْوَاتُ الطُّلَاَّبِ لِلْمُعَلِّمِينَ يطالبون بِحَقِّهِمْ فِي التَّعَلُّمِ مِنْ أَوَّلِ أُسْبُوعٍ لِعَامِهِمِ الدِّرَاسِيِّ, وَ أَصْوَاتُ الْمُعَلِّمِينَ لِلْحُكُومَةِ تَعْلُوهُمْ لِلْمُطَالَبَةِ بِحُقوقِهِمْ فِي الزِّيَادَةِ, وَالْحُكُومَةُ تُنَادِي بإسمهَا وَقَرَارَاتِهَا, وَالْكَلُّ يُطَالِبُ بِحَقِّهِ مِنَ الْآخر , إِلَى مَتَى سَنَظلُّ نَحْنُ الطُّلَاَّبُ نَائِمُونَ؟؟

تابعو الأنباط على google news
 
جميع الحقوق محفوظة لصحيفة الأنباط © 2010 - 2021
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( الأنباط )