بهدوء
عمر كلاب
من جديد تخرج خطبة الجمعة عن سياقها , وتصبح كلاما دعويا يصلح في المجالس وسهرات البيوت , او اجراءا يقوم به رجال الدعوة الذين يجولون الاحياء لحثّ الناس على اداء الفرائض , لكنها ليست الجمعة المأخوذة من فكرة الجامع ومن حقنا ان نعيد سؤالا منهجيا مفاده " من خطف الجمعة ومن خطف الجامع " ؟
من خطف رسالة تعبوية وتوعوية ظلّت على مدى قرون طويلة تعيد انتاج الفكر المجتمعي ازاء الاحداث الجسام واحداث الامة ومصائبها او نصرها الذي عزّ منذ سنين .
من خطف مناسبة قومية ما زال جرحها ينزف منذ ستة عقود وجعلها مناسبة للحديث عن برّ الوالدين ونواقض الوضوء على اهمية كل ذلك ولكن ليس في مناسبة النكبة في وطن يشكل اللاجئين رقما كبيرا من مواطنيه وسكانة , ما زالوا يحملون مفاتيح بيوتهم وكواشين اراضيهم ويورثوها للابناء وللاحفاد ؟
من انهى الحس القومي والعروبي والوطني من خطبة الجمعة وترك الاجيال فريسة للفيديو كليب ولنواقض الفكر العروبي واسرى للموضة ولتقليد شذّاذ الافاق ؟
من اغفل ذكر المحرقة الحقيقية التي جرت في غزة وجرت في قانا وبحر البقر وما زالت تجري في بيت المقدس واكناف بيت المقدس ومتزايدة ما دام الخطباء يجفلون ويرتعشون قبل المساس بجلادي العصر الحديث فيهربون الى احاديث وخطب دعوية في ذكرى النكبة .
كانت الجمعة الجامعة هي اول الحس واول الرسائل التي تتلى على الناس واول تلمس لامالهم وتطلعاتهم واول محاسبة للمسؤول على ما قدمت يداه من ابي بكر وعمر الى اخر مسؤول عن الناس , وكانت اول البشارة منذ اعتلى الامام الفاضل منبر صلاح الدين الذي اعدنا نحن بناءه ليحمد الله على اعادة الضالة من الامة الضالة .
يؤم صلاة الجمعة ما يزيد عن نصف سكان الاردن ويتابعها حسب حديث مسؤولي الاعلام ما تبقى من الناس في بيوتهم فمن اضاع فرصة ايصال رسائل الدولة وموقفها من النكبة لكل اولئك ؟ ومن اظهرنا بمظهر الفاقد لذاكرته الوطنية والقومية والجرح سيبقى طريا الى ان يعود الحق الى اصحابه ؟
جمعة النكبة ستمر بهدوء يليق بأمة ميتة سارع الابناء الى دفنها بسرعة ووقار , ومرت كحدث عابر في حياتنا ويوم مشمس يصلح لرحلة عائلية الى دبين وجرش , وللانصاف فإنها مرت كاستراحة رجل اراحه من تربية الايتام الانفصال عن امهم بالطلاق .
نعم , لسنا مع تسييس المسجد , ولكن مع تسييس الجامع والجمعة لأنها هكذا في اصل الفكرة , فالجامع يصبح اسمه هكذا يوم الجمعة وفي صلاتها حصريا , لأن الجمعة اسم اكتسب وجوده من الجماعة والجامع , حيث صلاة الجمعة وخطبتها في الجامع . النكبة في ذكراها , وامس امس كانت النكبة مضاعفة بعد ان تركنا الرسالة تضيع في مهب الدعوية والرعب من اعادة الامور الى نصابها , وتركنا جيلا كاملا فريسة لتعريفات وسائل الاعلام التي لا نمتلك من اثيرها شيئ , لتصبح النكبة عيد استقلال للعدو ولتصبح المناسبة اقل من عيد الحب الذي افرد له الخطباء مساحات ومساحات لمهاجمته كما باقي المناسبات الانسانية من عيد العمال الى عيد الام , وقفزوا عن النكبة قفز الصالحين من ابطال القفز العالي برشاقة وهدوء .
ما تقدم استشراف لخطبة الجمعة التي ستتحدث عن فوائد الصيام , وربما يغافلنا الخطيب فيتحدث عن غزوة سابقة , لكنه بالقطع لن يقترب من النكبة وجمعة مباركة .
omarkallab@yahoo.com