بلال العبويني
ليست الطبيعة وحدها من أغرقت حكومة رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز في سيول من المشاكل المتلاحقة، بل على ما يبدو ثمة خصوم يعملون على إغراقه كلما حاول الطفو على سطح الأحداث لعرقلة تجديفه نحو شط الأمان.
استهل الرزاز عهده بالدوار الرابع بأحداث مدينتي السلط والفحيص الإرهابيتين ولم يكد يرتاح من تداعياتهما حتى غرقت حكومته في سيول البحر الميت الذي أودى بحياة أطفال بعمر الورود وبعضا من مرافقيهم.
الطبيعة، كان لها موعد قاس آخر مع الحكومة، عندما لم تترك لها المجال للاحتفاء بمنحة المليار دولار والقروض الميسرة التي حصلت عليها من مؤتمر مبادرة لندن، ليكون الموعد هذه المرة في وسط البلد التي أغرقتها سيول الأمطار لتكبد تجارا خسائر كبيرة.
تلك الأحداث، وإن كان لها تداعيات كبيرة على الحكومة من جهة سوء التخطيط وإدارة الأزمات، إلا أنها تبقى هينة مع ما شهدناه خلال اليومين الماضيين من "حرب وثائق" استقبلها الرأي العام بصدمة شديدة لارتباطها بتعيينات برواتب مجزية في عدد من الوزارات والدوائر الحكومية، في وقت ما زال فيه متعطلون عن العمل يتوافدون سيرا على الأقدام من المحافظات للمطالبة بتوفير وظائف لهم.
قضية التعيينات هذه، سبقها وظائف عليا لأقارب وأشقاء نواب، وهي التعيينات التي تدخل فيها جلالة الملك مطالبا الحكومة بالعمل بشفافية حيالها، غير أن الأيام كشفت أنها ليست الوحيدة التي تمت من تحت الطاولة لنكن أمام قوائم وكتب رسمية كشفت عن مسميات وظيفية مستحدثة برواتب تفوق في قيمتها ما يحصل عليه أساتذة جامعات حازوا على درجة الأستاذية منذ سنوات بعيدة.
الرئيس يتعرض اليوم لقصف من كل حد وصوب، ولعل الأيام المقبلة ستكون حبلى بالمزيد من الوثائق التي قد تكشف غياب العدالة في قضية التوظيف على وجه التحديد وهي القضية التي تؤرق المجتمع باعتبار أن البطالة تشكل تحديا كبيرا (18.7%) حسب الأرقام الرسمية، وباعتبار أن الحكومة ما زالت عاجزة عن إيجاد خطط لتوليد فرص للعمل.
في الواقع، الرئيس هو من أغرق حكومته في مثل هذه المشاكل، وهو من ترك المجال واسعا للهجوم عليه بما صدر عنه من قرارات فهمها الكثير على أنها "تنفيعات" لمحسوبين عليه.
هو من أغرق حكومته بما صدر عنه من تصريحات غير واقعية كحديثه عن النهضة والعقد الاجتماعي الجديد دون أن يمتلك الأدوات اللازمة التي تمكنه من تنفيذ رؤيته، ما جعله يتراجع عنها في نهاية المطاف بعد أن كان الموج من حوله أعلى بكثير من شراع مراكبه.
اليوم، يمكن القول إن الشعبية التي حظي بها الرئيس عند التكليف قد اختفت تماما، وبات الغضب هو الطاغي ليس على الصعيد الشعبي فحسب، بل على صعيد النخب ولعل أخطرها حالة "التجنح" التي يمكن أن يستشعرها المراقب داخل مجلس الوزراء، فليس من المعقول أن تنفجر كل هذه الوثائق دون أن يكون وراءها وزراء سواء أكانوا عاملين أم سابقين.
الرزاز كما قلنا من ذي قبل، توفرت له فرص تاريخية لتجسير هوة الثقة بين المواطنين والحكومات ولإنجاز أمر غير مسبوق في تاريخ الحكومات، لكنه لم يستغلها إلى أن وصل الأمر إلى حد قراءة شعار "تسقط الحكومة" ببساطة على مواقع التواصل الاجتماعي.//