المهندس هاشم نايل المجالي
عندما كان هتلر في أوج جنونه وذروة فحشه ، وعندما دخل الالمان مدينة فيينا عاصمة النمسا ، استقصد الجيش الالماني احتقار وإذلال خصومهم من النمساويين بابتكارهم لأساليب مختلفة ، فكان ممن ألقوا القبض عليه قائد نمساوي يكره النازية وكان قد سبق له ان قاتل مع الجيش الالماني في الحرب العالمية الاولى وتسلم حينها عدة اوسمة ، فطلب منه القائد الالماني ان يمسك المكنسة ويكنس الشوارع امام ناظريه من الجنود والمواطنين بهدف اذلاله ، فقام هذا النمساوي ولبس سترته الرسمية التي لبسها في الحرب العالمية الاولى وتحمل الاوسمة التي حصل عليها بسبب شجاعته وفنائه في الخدمة وحسن قتاله وهي بدلة واوسمة المانية ، فتناول المكنسة وصار يكنس الشوارع امامهم وامام المواطنين والجنود ، فخجل الالمان من ذلك المنظر فأوقفوه عن ذلك لكنه استمر معتبراً ان هذه الاعمال ضرورية لمدينته وإن كان هناك احتقار او هدف لذلك ، فيجب ان يكون الاحتقار لاؤلئك الذين يحدثون هذه النفايات ويرمونها بالشوارع وليس في اولئك الذين يقومون بتنظيف مدينتهم ويجملونها .
فجميع مواقع العمل في الوطن وأياً كانت يجب ان تحترم ما دامت في خدمة الوطن والمجتمع وتحقق دخلاً لذلك الانسان ، فهناك مهارات ومهن واعمال يرتزق منها الشباب وقد تكون متصلة بالثقافة العامة مقرونة بالتطور الذهني لأبناء المجتمع .
فالاعمال والمهن الصناعية والزراعية وغيرها تتفاوت في قيمتها الثقافية والغاية من تلك الثقافة ان تجعل الانسان انسانياً ، فهناك ادب العمل المجتمعي الذي يعالج مشكلات عديدة في المجتمع وينغمس فيها ساعياً ومسؤولاً وعاملاً الى معالجتها وتغييرها وتطويرها ، وهناك من يحفز الشباب على العمل فيها فرداً وجماعة ويحرك ضمائرهم ليثير وجدانهم لخدمة ولرقي المجتمع .
ومن ناحية اخرى فذات يوم تقدم ثمانية من اعضاء البرلمان الانجليزي بمشروعات تهدف الى الرحمة بالحيوان منها منع وضع فخاخ ( شراك ) لصيد الحيوانات كونها تؤذيه وتجرحه وتؤلمه ، وآخر طلب عدم صيد الحيوانات بواسطة الكلاب مطاردين الثعالب والأرانب وغيرها حيث تقع الطريدة بين فكي الكلاب وغيرها الكثير .
وهذا الاهتمام بالحيوان والرغبة في حمايته من الآلام او التخفيف من تلك الآلام هو برهان ورقي نفسي يدل على احساس مرهف للمسؤولين اياً كان موقعهم للحياة البشرية ، فنحن امام واقعتين انسانية وحيوانية مهما كان تصورنا لحجم الالم الذي تعانيه الطريدة او ذاتية الانسان من كونه عاطلاً عن العمل ، فالشباب يبحثون عن مستقبلهم وفي الوقت نفسه الحيوان يجهل المستقبل ، لكننا وجدنا من المسؤولين من ينقل احساسهم البشري الذاتي الى الحيوان بعواطف رحمة ، ونحن والحيوانات بيئة واحدة فالقسوة فظاظة وغلظة وجهالة يجب ان يترفع عنها كثير من المسؤولين واصحاب العمل ، فمن جانب الحكومة والجهات الرسمية يجب ان تتابع تنفيذ القوانين والتشريعات التي تعطي الاولوية لعمل شباب الوطن وتحارب الفساد لمن يخالف ذلك وتعاقبه اشد العقاب .
ومن ناحية أخرى يجب على اصحاب العمل ان يلتزموا وطنياً بمنح شبابنا فرص العمل لاحتوائهم اينما كانوا ذلك حتى لا ينعكس على مقدرات الوطن ومقدرات اصحاب العمل انعكاسات وسلوكيات سلبية لشباب تبحث عن العمل تجوب الشوارع من محافظاتهم الى العاصمة وامام بوابات اصحاب القرار حتى استوحشوا في وطنهم .
واين العقول من المسؤولين في طرح افكارهم ومشاريعهم التنموية والانتاجية ، واين الحكومة من اقرار حوافز تشجيعية من اعفاءات ضريبية وغيرها مما يزيد من العمالة الاردنية لعمله ، ام سنبقى نشاهد المحلات التجارية تغلق يوماً بعد يوم ونشاهد المسيرات الشبابية تزداد يوماً بعد يوم ونحن نبحث عن المؤتمرات لنتحدث فيها عن قسوة حياة اللاجئين وعن الصعوبات الاقتصادية بخطوات نظرية وليست عملية .
وعلينا في هذه المرحلة تهدئة النفس دون اللجوء الى سلوكيات يستغلها اعداء الوطن ، فنحن نعترف اننا نواجه ازمة ونلجأ الى الفضفضة ونحن الحريصون على أمن واستقرار الوطن ، ولنعتصم بالرحمن ونتذكر انه لو اجتمعت الانس والجن على ان يضرونا بشيء لم يكتبه الله لنا فلن يقدروا ولن يستطيعوا ان يفعلوا ذلك ، ولنجعل من تلك الأزمة ان تكون خادمة لنا لفعل الافضل بالفكر والابداع وحتى لا تتحول الى سلاح نوجهه ضد انفسنا ليغتال احساسنا بالأمان .
فالغضب نيران تدفع الانسان للعدوانية والتصرف باندفاع وتهور فنعطي بذلك لخصومنا الفرصة للايقاع بنا لتزداد الخسائر ، بل علينا ان نحول الغضب الى طاقة ونرفض الاستسلام ونضع الخطط والاستراتيجيات العملية الواقعية ونسارع في تنفيذها بثبات واقتدار فهناك مفاتيح كثيرة وهناك من رجال الاعمال واصحاب المصانع والمصالح قدرة على مساعدة الشباب بمبادرة وطنية لتكون لهم بمثابة بوابة فرج .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وان الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه ) ان ترك الاخذ بالاسباب التي ادت الى ذلك ليعتبر معصية ومن العبث الاستسلام لذلك ، فليقم الشباب بشحن طاقاتهم اثناء المحن للعمل فالمحنة والازمة ليست في ديننا وعلينا ان لا ننكرها او نهون منها لنبعد المسؤولية عن الجهات الرسمية وغيرها ، بل علينا رؤية الواقع على ما هو حقيقي وليس خداع انفسنا في مبررات لا تفضي الى حل المشكلة ، فإنكار الازمة لن يجعلها تتلاشى من تلقاء نفسها بل سيجعلها تتضخم وسط قلة استعدادنا لمواجهتها ، كذلك علينا ان لا نهولها لنهزم نفوس شبابنا ونضخمها مهما كانت مؤلمة وصعبة فالحلول موجودة لكن نحتاج لمن يحركها ويفعلّها بكل أمانة . //
hashemmajali_56@yahoo.com