وليد حسني
قبل سنوات مضت كتبت عن الشعر الغائب عن قضايانا اليومية والمعاشية وعن مآسينا، ووصفت الشعراء في حينه بـ"شعراء البيجامه" بعد ان انسحب الشعر والشعراء من تفاصيل أيامنا واعتكفوا في غرف نومهم يرتدون بيجاماتهم ويكتبون ما لا علاقة له بيومنا وبتفاصيل مشاكلنا..
ما نعيشه اليوم يمثل مأساة يمكنني اختصارها بكلمة"الغياب" فكل ما يحيط بك غائب عما تعانيه كمواطن بدءأ بالدولة وانتهاءا بالشعراء الذين يفترض أن يكونوا مرآة يومهم وعصرهم فيسجلون بشعرهم مآسي شعبهم وتفاصيل أيامهم، كما هو الحال في الشعر والشعراء قديما..
ما نحتاجه هذه الايام ومع كل ما نحن فيه أن يثور الشعراء على غرف نومهم ويخلعون بيجاماتهم ويقفزون من صناديق احلامهم الزجاجية وينظرون للواقع وللناس بعين الصاحي المتقد.
هذا الإنزياح الإنسحابي للشعراء ــ على كثرتهم ــ لن يترك لهم أي أثر في معاشنا اليومي، مجرد قوائم بالمئات من الشعراء يتدحرجون فوق بعضهم البعض مثل الكرات الزجاجية في لعبة "المور" والكل ينطح الأقرب اليه، واذا ما قدحت زناد النقد والتحليل والتاويل فلن تجد غير غثاء من كلام يتم لصقه بريق الشاعر ولعابه فما يفتأ يتفكك شر مذر حتى وإن لم تمسسه ريحٌ، أيو يربت عليه إصبع.
شعراؤنا اليوم على كثرتهم يمثلون الواقع العنكبوتي الهش الذي نحتمي فيه من دواخلنا ومن إسفاف خارجنا، حتى إذا ما احتجت لشاعر يقول لك شيئا عن يومك البغيض أسقط في يدك، فالكل مخبوء في سرة امرأة، أو في لعبة حب متخيلة فيها من الوجع النفسي أكثر مما فيها من ألم الأضراس والأسنان.
ليس المطلوب من الشعراء العمل بوظيفة كاميرا، بقدر العلم بوظيفة المحفز، او الهرمون المحفز الذي يستخدمه المزارعون عادة لتحفيز نمو الجذور لعقل النباتات، ولا أظن أن احدا منا ينتظر من الشعراء أيضا القيام بدور ذكر النحل في تلقيح العذراوات ثم الموت بصورة الفحل النبيل.
في العام الماضي أرسل لي صديق وهو برأيي شاعر مهم لكنه خان شاعريته تماما قصيدة بخط يده أثقلتني طربا ووجعا، وحين قلت له سأنشرها ،ضاقت في وجهه الدنيا، وهو يرجوني إبقاءها في أوراقي والتعامل معها باعتبارها منشورا سريا لا يجوز لأحد الإطلاع عليه، احترمت رغبته، وايقنت تماما كيف يخسر الشاعر حين يسكنه الخوف حتى من جني شعره.
اليوم وفي قابلات الأيام على الشعراء مغادرة غرف نومهم، والنهوض بأنفسهم أولا، ليستطيعوا التقدم الى الصفوف الامامية، عندها سيعود للشعر ألقه، ودوره وقدرته على التغيير.
في عصر ستالين أرسل اليه ديوان شعر وعندما قرأه سأل عن عدد النسخ التي طبعتها الدولة السوفييتية منه فقيل له إنها بمئات الالاف، فاغتاظ ستالين وسأل لماذا لم تطبعوا نسختين فقط واحدة للشاعر والثانية لحبيبته..