كسر "رين زينغفوي"، مؤسس شركة "هواوي" ورئيسها التنفيذي حاجز الصمت للرد على سلسلة الادعاءات المتصاعدة التي تواجهها الشركة منذ بداية النصف الثاني من عام 2018 والمتعلقة برفع سقف شكوك بعض الدول حيال أمن معداتها، وتمخضت عدة مرات عن فرض قيود من بعض الدول الغربية على منتجات ومعدات البنية التحتية للجيل الخامس من "هواوي"، ورفض بعض الدول لهذه المنتجات والمعدات باعتبارها صينية المنشأ، دون ذكر فرض هذه القيود صراحة على معدات "هواوي" تحديداً إلا من بعض الدول القليلة جداً كالولايات المتحدة وكندا. ووصلت الأزمة منعطفاً جديداً مع حصول واقعة توقيف ابنة "رين زينغفوي" ، كبيرة المسؤولين الماليين بشركة "هواوي" في كندا في منتصف الشهر الماضي ديسمبر 2018.
وكانت المصارحة والمكاشفة هما عنوان الحديث الذي أدلى به السيد "رين زينغفوي" للصحفيين في المؤتمر الصحفي الذي عُقِد في المقر الرئيسي لشركة "هواوي" في مدينة شنجن بالصين، حيث طغى موضوع الأمن السيبراني على المؤتمر، وجاءت أسئلة الصحفيين لمؤسس "هواوي" حول الادعاءات التي تطلقها بعض الدول الغربية تزعم فيها بأن الحكومة الصينية يمكننها اختراق شبكات الجيل الخامس لشركة "هواوي" لأغراض التجسس على الدول الأجنبية، الأمر الذي نفاه "رين" بشدة معلناً أن هذه المزاعم مرفوضة جملةً وتفصيلاً؛ فلا يمكن للحكومة الصينية مطالبة "هواوي" بإفشاء أية معلومات تتعلق بعملائها تحت أي ظرف من الظروف، موضحاً أن الحكومة في المقام الأول لن تُقدِم مطلقاً على اتخاذ مثل هذه الخطوة وأن شركة "هواوي" شركة خاصة مملوكة من قبل موظفيها وليست حكومية على الإطلاق، مشيراً لدليل إصدار وزير الشؤون الخارجية في الصين تصريحاً رسمياً أكد فيه عدم وجود أي قانون في الصين يسمح للحكومة بالاطلاع على بيانات العملاء لأي شركة من الشركات.
وأوضح "رين" مراراً وتكراراً خلال المؤتمر قائلاً: "لم تتلقَ "هواوي" كشركة أو حتى أنا على الصعيد الشخصي أي طلب من أي حكومة للتعاون في مجال الإفشاء عن أي معلومات بطريقة غير قانونية".
كما أكد السيد "رين" أن وضع "هواوي" كشركة مملوكة بالكامل للقطاع الخاص وليست ذات ملكية عمومية أتاح لها مرونة أكبر من منافسيها في السوق على مستوى الابتكارات الناتجة عن حرية ضخ مزيد من الاستثمارات في مجال البحث والتطوير. وأكد "رين" كذلك بأن "هواوي" لا تخضع بأي شكل من الأشكال للحزب الشيوعي في الصين. وذكر أنه "لا توجد مؤسسة خارجية أو وزارة حكومية تمتلك أي أسهم في شركتنا، ولو بقيمة يوان صيني واحد". ثم تابع قائلاً: "لسنا شركة عامة؛ وهذا ما هيأ لنا الفرصة الكاملة للعمل على تحقيق قيمنا العليا والمساهمة بجهودنا لخير مجتمعنا، هذا لأن الشركات العامة تركز أكثر على أرباحها المالية"، مضيفاً بأن قيم "هواوي" واضحة لا لبس فيها: "عندما يتعلق الأمر بالأمن السيبراني وحماية الخصوصية، نحن ملتزمون بالوقوف إلى جانب عملائنا. ولم ولن يخطر ببالنا مطلقاً أن نتسبب في إلحاق الضرر بأي دولة أو أي شخص". وأضاف قائلاً: "نحن نمثل شركة، ونمثل كياناً تجارياً، وقيم الكيان التجاري التي نجسدها كممارسات هامة في كل يوم من أيام عملنا في الشركة تركز على مصلحة العميل دائماً وتتبنى دائماً تطبيق ممارسات "العميل أولاً". وفي هذا السياق، لا أرى أي صلة وثيقة بين معتقداتي الشخصية حتى السياسية منها وبين نهج وقيم الأعمال التجارية التي نتبناها ونعمل وفقها ككيان تجاري".
وعندما ألح عليه أحد المحاورين للإجابة عن سؤال متعلق بما إذا كان مجبراً على الإفشاء عن معلومات حساسة في حال طلبت الحكومة الصينية ذلك، حتى وإن كان أمراً بعيد الاحتمال، لم يتررد "رين" في إجابته القاطعة التي أعرب فيها عن رفضه الشديد لهذا الأمر، حيث قال: "أعتقد أني أوضحت هذا الأمر من قبل بما لا يدع أي مجال للشك، سنرد بكل حزم على مثل هذا الطلب بالرفض القاطع".
وفي إجابته حول موقف الولايات المتحدة الأمريكية تحديداً، طالب السيد "رين" الولايات المتحدة بشكلٍ مباشر بالتراجع عن العقوبات التي فرضتها ووقف الإدعاءات والشكوك والمخاوف التي تثار عن الشركة وتوفير مزيدٍ من الدعم للتعاون الدولي. وقال: "تتلخص الرسالة التي أرغب في توجيهها إلى الولايات المتحدة في دعوتها إلى التعاون لتحقيق النجاح المشترك. ففي عالمنا القائم على التكنولوجيا المتطورة، يكاد يكون من المستحيل أن تضطلع شركة واحدة أو حتى دولة واحدة بجميع الأدوار. هذا العصر هو عصر المعلومات. وفي مجتمع المعلومات، يعد التعاون المشترك بيننا جميعاً أمراً بالغ الأهمية. وتمثل أوجه التعاون المنفتح المحرك الحقيقي لتطور المجتمع الإنساني بوتيرة أكثر تسارعاً. فليس بوسع أي شركة عزل نفسها على صعيد التعاون الدولي في عالمٍ يتسم بالترابط أكثر من أي وقتٍ مضى. ويتطلب التطور التكنولوجي تضافر وتوحيد الجهود بين آلاف وربما عشرات الالآف من الشركات".
ورغم التحديات التي تواجهها "هواوي" في السوق الأمريكية وموقف الحكومة الأمريكية الحالي، أشاد السيد "رين" بالقيادة الحالية للولايات المتحدة متمثلةً في الرئيس الأمريكي، حيث علق قائلاً: "لم يتغير رأيي في الرئيس ترامب على المستوى الشخصي؛ وأرى أنه رئيس جيد، فيما يتعلق بجرأته في مجال جديتة في مجال خفض الضرائب. وأعتقد أن هذا الإجراء سيساهم في تنمية مختلف الصناعات في الولايات المتحدة."
وبدا السيد "رين" محتفظاً بنظرته المتفائلة بشأن التطلعات الخاصة بمستقبل أعمال "هواوي"، حيث ذكر بأن الشركة ستواصل تركيزها على الأسواق العديدة التي ترحب بالتعاون مع "هواوي" في مجاليّ الاستثمار والبنية التحتية، معبراً عن ذلك بقوله: "قررت بعض الدول عدم شراء المعدات من "هواوي". وبالتالي، سنوجه تركيزنا على خدمة الدول التي ترحب بالتعاون مع "هواوي". وأكد أن "هواوي" ستواصل الاستثمار الجاد في مجال البحث والتطوير من أجل طرح المنتجات الأكثر تطوراً وابتكاراً في السوق لخدمة عملائها بتلك الدول.
كما ألمح السيد "رين" أن "هواوي" لا تزال تتمتع بمكانتها الريادية المنفردة في أسواق شبكة الجيل الخامس على مستوى العالم. وأعلن أن الشركة أبرمت أكثر من 30 عقداً تجارياً لشبكات الجيل الخامس حتى الآن، كما قامت بشحن 25000 محطة رئيسية للجيل الخامس، بالإضافة إلى ملكيتها لعدد 2570 براءة اختراع تستند إلى تكنولوجيا الجيل الخامس. وقد تعهد "ربن" أمام الحضور بتخصيص استثمارات تتجاوز قيمتها 100 مليار دولاراً أمريكياً في مجال البحث والتطوير على مدار الأعوام الخمسة المقبلة. وعلق السيد "رين" على ذلك قائلاً، "أعتقد أن استمرارنا في تطوير منتجات متميزة هو ما سيجذب العملاء لشرائها. فإذا كانت منتجاتك غير جيدة، فلن يُقدِم أحد على شرائها مهما حاولت الترويج لها."
وأشار إلى أن "هواوي" تتمتع بميزات فريدة لا يضاهيها فيها أي من المنافسين على الرغم من أنه لا يوجد إلا عدد محدود من الشركات المتخصصة في مجال معدات البنية التحتية لشبكات الجيل الخامس، كما أن قليل من الشركات تستخدم تكنولوجيا الموجات متناهية الصغر. "هواوي" هي الشركة الوحيدة على مستوى العالم التي يمكنها تزويد المحطات الرئيسية من الجيل الخامس بتكنولوجيا الموجات متناهية الصغر الأكثر تطوراً. وبفضل هذه الإمكانية، لا تتطلب المحطات الرئيسية من الجيل الخامس من "هواوي" توصيلات من الألياف الضوئية. وبدلاً من ذلك،يتم استخدام موجات متناهية الصغر فائقة السرعة لدعم توصيلات شبكات النطاق العريض شديدة الاتساع. ويعد هذا الحل عملياً للغاية من الناحية الاقتصادية بالنسبة لمختلف المناطق على مستوى العالم، ولا يتوفر لدى أي من الشركات المنافسة.
وأشار السيد "رين" أن التزام "هواوي" بالبحث والتطوير هو السبب الرئيسي وراء النجاح الذي حققته الشركة. وحالياً، تتراوح استثمارات "هواوي" في مجال البحث والتطوير بين 15 و20 مليار دولاراً أمريكياً سنوياً. وبذلك تحل "هواوي" بين الشركات الخمس الأولى على مستوى العالم من حيث الإنفاق في مجال البحث والتطوير. وقد تم منح الشركة " 87805 براءة اختراع. وفي الولايات المتحدة، سجلت الشركة 11152 اختراعاً في المجالات التكنولوجية الرئيسية، كما تمارس أنشطتها بشكلٍ فعال في أكثر من 360 منظمة للمعايير، أعدت لديها أكثر من 54000 عرض. أما على الصعيد العالمي، تعد "هواوي" الشركة الأقوى من حيث إمكاناتها في مجال الاتصالات.
وأخيراً، عند سؤال "رين" عن اعتقال ابنته في كندا بدعوى إقامتها علاقات تجارية تخل بالعقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، قال "رين" بأنه ينبغي عليه عدم التصريح بتفاصيل حول ذلك باعتبار القضية حالة قانونية حالياً، لكنه ذكر أنه على يقينٍ تام بأن ابنته ستُعامل بشكلٍ عادل: "أعتقد أن النظامين القضائيين في كندا والولايات المتحدة يتمتعان بالشفافية والنزاهة والعدل، وأننا سنصل إلى نتيجة عادلة. وسنُقيّم الأمر بعد ظهور نتائج التحقيقات في وسائل الإعلام." وأضاف أنه في حال خالف أي موظف لدى "هواوي" القوانين السارية في أي دولة من دول العالم، سواءً كان مواطناً صينياً أو من أي جنسية أخرى، فإن "هواوي" على استعداد للتعاون مع جهات التحقيق على الفور.
يذكر بأن "رين زينغفوي" يعتبر من المقلين نوعاً ما في التوجه للصحافة، حيث كانت آخر إطلالة إعلامية له في عام 2015.