أولويات المرحلة دائمًا وأبدًا للمواطن( العادي) - وأقصد بالعادي، المواطن البسيط من ذوي الدخول المتدنية أو المحدودة وذوي طبقة الدخل المتوسط ( المتلاشية ) ... هو الهّم المعيشي، وهؤلاء يمثلون بالمناسبة نحو ( 90- 95 % )من الشعب الاردني.
هذه الفئة لا يعنيها كثيرا تفاصيل الموازنة العامة وما فيها من نفقات جارية أو راسمالية، ولم تعد تصدمها أرقام ونسب المديونية المرتفعة، أو ارتفاع نسبة البطالة، ولا حتى نسبة النمو المنشودة.
كل هذه التفاصيل لم يعد يتوقف عندها المواطن لأنها تصطدم في جدار واقع الحال اليومي، فهو - ومع كل وعود الحكومات المتعاقبة - ما زال في كثير من الاحيان غير قادر على دفع فواتير الكهرباء والماء، وغير قادر على دفع الاقساط المدرسية، ولا حتى الاقساط الجامعية، وما زال مضطرا لاستخدام سيارته الخاصة (حتى ولو كانت بديون بنكية لم يعد قادرا على سداد أقساطها) لانه لا يجد خدمة مواصلات نقل عام بديلة تقنعه على توفير»بنزين سيارته»، واستخدام وسائط نقل غير منتظمة المواعيد ولا الخطوط.
المواطن يدفع «دم قلبه» لتدريس ابنائه وتخريجهم من الجامعات أطباء ومهندسين وغير ذلك من التخصصات، ثم تحفى أقدامه هنا وهناك يبحث عن واسطة لوظيفة صعبة المنال، علّها تعين ابناءه على مواجهة حاضرهم قبل مستقبلهم الصعب.
المواطن حين يضطر لمراجعة دائرة حكومية رسمية خدماتية، يشعر بالمرارة وأحيانا بـ»البهدلة» وهو يراجع مكتبا لآخر في معاملة يجب الا تحتاج لاكثر من دقائق - رغم كل ما يحكى عن الحكومة الالكترونية .. ورغم كل ما يحكى عن الاصلاح الاداري ( وهنا للانصاف أستثني ادارات تعدّ على أصابع اليد الواحدة فقط) .
حتى طبقة رجال الاعمال والصناعيين والتجار والمقاولين، كثيرٌ منهم يشكون ويعانون من قرارات باتت تضطرهم لاغلاق فروع أو محلات أو مصانع أو متاجر أو ترحيل استثماراتهم وتسريح عمالهم .. رغم كل ما يقال عن دعم القطاع الخاص!
أنا لا أرسم صورة قاتمة أو سوداوية، بل هذا واقع الحال الذي يعرف القراء عنه أكثر مما كتبته.
لذلك.. وحين يكون الحديث عن» فجوة في الثقة « بين الحكومات والمواطنين، هي في واقع الامر فجوة بين ما نسمع وما نرى، بين ما نحلم بتحقيقه والواقع الاليم ...المواطن لا يتابع ما اذا كان برميل « نفط برنت « قد ارتفع أم هبط.. بل يهمه أن يتم تخفيض أسعار» الكاز» في الشتاء، وأن يكون سعر كيلو البندورة أو البطاطا أو حتى البصل في متناول «جيبه المخروق «! .
لذلك على الحكومات أن تقترب أكثر من الشارع ومن همّ المواطنين وتوجد حلولا عملية لواقع حالهم المعيشي في الصحة والتربية والنقل والجامعات ... وغيرها.
نحن بحاجة ( ما دام هناك حديث هذه الايام عن تعديل حكومي ) الى حكومة ميدانية ووزراء أقرب الى نبض الشارع وقادرين على ايجاد حلول وتنفيذ خطط ملّ الناس تكرارها، في حين ما زال طموحهم ومطلبهم الحقوقي البسيط ... عيشًا كريمًا فقط!