البث المباشر
المنطقة العسكرية الشرقية تحبط محاولة تسلل على إحدى واجهاتها فتح باب التقديم للدورة الأولى من جائزة زياد المناصير للبحث العلمي والابتكار الصحة العامة .. من خدمة اجتماعية إلى ركيزة أمن قومي الكهرباء الأردنية تؤكد سرعة استجابتها للبلاغات خلال المنخفض الجوي الأرصاد: تراجع فعالية المنخفض واستقرار نسبي على الطقس وزارة الإدارة المحلية تتعامل مع 90 شكوى خلال الحالة الجوية توقف عمل "تلفريك" عجلون اليوم بسبب الظروف الجوية إخلاء منزل في الشونة الشمالية تعرض لانهيار جزئي أجواء باردة في أغلب المناطق حتى الاثنين المصدر الحقيقي للنقرس دراسة : الاكتئاب الحاد مرتبط بخلل المناعة كيف يمكن لوضعية النوم أن تهدد الصحة الجسدية والعصبية؟ انطلاق مرحلة قرعة الاختيار العشوائي لبطولة كأس العالم فيفا 2026 إدراج شجرة زيتون المهراس على قائمة التراث الثقافي غير المادي الارصاد : تراجع فاعلية المنخفض الجمعة... التفاصيل للايام القادمة. الأردن والإمارات: ضرورة الالتزام بوقف النار في غزة وإدخال المساعدات 4 وفيات من عائلة واحدة بتسرب غاز مدفأة في الزرقاء الأرصاد: الأمطار تتركز الليلة على المناطق الوسطى والجنوبية وزارة الأشغال تطرح عطاء لإعادة إنارة ممر عمّان التنموي بالطاقة الشمسية وزير الخارجية الصيني يزور الأردن والإمارات والسعودية

الصحة العامة .. من خدمة اجتماعية إلى ركيزة أمن قومي

الصحة العامة  من خدمة اجتماعية إلى ركيزة أمن قومي
الأنباط -
لفترة طويلة، جرى التعامل مع الصحة العامة بوصفها قطاعًا خدميًا، يُدرج في موازنات الدول تحت بند "الرعاية الاجتماعية”، ويُناقش غالبًا من زاوية أخلاقية أو إنسانية بحتة. هذا التصنيف التقليدي جعل الصحة تبدو وكأنها عبء مالي يجب ضبطه، لا استثمارًا استراتيجيًا يجب تعظيم أثره. غير أن التحولات العالمية الكبرى، وعلى رأسها جائحة كورونا، أعادت تعريف هذا المفهوم جذريًا، لتُظهر بوضوح لا يقبل الجدل أن الصحة العامة ليست ترفًا اجتماعيًا، بل أحد الأعمدة الأساسية للأمن الاقتصادي والأمن القومي في آنٍ واحد.

الدولة التي يعاني مجتمعها من أمراض مزمنة واسعة الانتشار، أو من ضعف في خدمات الوقاية والعلاج، هي دولة تُستنزف مواردها الإنتاجية بصمت. العامل المريض أقل قدرة على العطاء، والموظف المنهك أكثر عرضة للغياب والتسرب من سوق العمل، والمؤسسات التي تعمل في بيئة صحية متدهورة تتحمل كلفًا خفية تنعكس مباشرة على تنافسيتها وربحيتها. ومع تراكم هذه الكلف، يتباطأ النمو، وتتآكل القدرة على خلق فرص العمل، وتصبح الخزينة مثقلة بنفقات علاجية كان يمكن تفادي جزء كبير منها عبر سياسات وقائية رشيدة.

من هذا المنطلق، تتحول الصحة العامة من بند إنفاق جارٍ إلى أصل اقتصادي طويل الأجل. كل استثمار في الوقاية، والرعاية الأولية، والتغذية السليمة، والصحة المدرسية، يعود بعوائد مضاعفة على الاقتصاد الوطني من خلال رفع الإنتاجية، وتقليل الضغط على أنظمة التأمين، وتحرير موارد الدولة للاستثمار في التعليم والبنية التحتية والتكنولوجيا. وحين تُهمل الصحة العامة، يبدأ الخلل بالانتقال تدريجيًا من المستشفى إلى المصنع، ومن العيادة إلى سوق العمل، ومن الأسرة إلى بنية الاقتصاد الكلي.

حين تصبح الصحة مسألة أمن قومي
الأمن القومي في مفهومه الحديث لم يعد محصورًا في حماية الحدود أو امتلاك القوة العسكرية. التجارب المعاصرة أثبتت أن الدولة قد تُشل بالكامل من دون إطلاق رصاصة واحدة إذا انهارت منظومتها الصحية. خلال الجوائح الكبرى، تتعطل سلاسل الإمداد، تُغلق المطارات والموانئ، تتوقف قطاعات حيوية عن العمل، وتتعرض الجيوش والأجهزة الأمنية نفسها لضغوط غير مسبوقة نتيجة إصابة كوادرها أو استنزاف قدراتها.

في هذا السياق، تتحول الصحة العامة إلى خط دفاع أول لا يقل أهمية عن أي منظومة أمنية أخرى. القدرة على الاكتشاف المبكر للأوبئة، وجود نظام رصد صحي فعّال، جاهزية المستشفيات، وتكامل القرار الصحي مع القرار الأمني، كلها عناصر تحدد قدرة الدولة على الصمود في مواجهة التهديدات غير التقليدية. بل إن كثيرًا من مراكز الدراسات الاستراتيجية باتت تصنف الجاهزية الصحية كأحد عناصر الردع الناعم.

ولا يقتصر الخطر على البعد الصحي المباشر، بل يمتد إلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي. حين يشعر المواطن أن الدولة عاجزة عن حمايته صحيًا، تتآكل الثقة بالمؤسسات، يتصاعد القلق الجماعي، وتنتشر الشائعات والخطابات المتطرفة. وهنا يصبح الخلل الصحي مدخلًا لخلل أمني أوسع، ما يؤكد أن الأمن الصحي والأمن الداخلي وجهان لعملة واحدة.

القوة الوطنية الشاملة… إعادة تعريف القوة
ضمن هذا التحول في فهم التهديدات والمخاطر، برز في الأدبيات الاستراتيجية ما يُعرف بمفهوم القوة الوطنية الشاملة (National Power Index). وهو ليس رقمًا جامدًا أو تصنيفًا رسميًا، بل إطار تحليلي يُستخدم لتقدير قدرة الدولة على التأثير والبقاء والصمود في بيئة دولية تتسم بعدم اليقين.

ينطلق هذا المفهوم من حقيقة بسيطة مفادها أن الدولة القوية ليست بالضرورة تلك التي تمتلك أكبر ترسانة عسكرية، بل تلك القادرة على تحويل مواردها الاقتصادية والبشرية والمؤسسية إلى قوة فعلية مستدامة. الاقتصاد، والمؤسسات، والتعليم، والصحة، والتكنولوجيا، والتماسك الاجتماعي، كلها تدخل في معادلة واحدة لا تقبل التجزئة.

ضمن هذا الإطار، لم تعد الصحة العامة عنصرًا هامشيًا أو تابعًا، بل أصبحت مكوّنًا مباشرًا من مكونات القوة الوطنية. دولة تمتلك مجتمعًا صحيًا قادرة على دعم اقتصادها، وتعزيز أمنها، وضمان جاهزية قواتها المسلحة، والحفاظ على تماسكها الداخلي في أوقات الأزمات.

من القوة الصلبة إلى قوة الصمود
أحد أبرز التحولات في التفكير الاستراتيجي العالمي هو الانتقال من التركيز الحصري على القوة الصلبة إلى التركيز على قوة الصمود والمرونة. الصمود هنا لا يعني فقط النجاة، بل القدرة على الاستمرار في أداء وظائف الدولة الأساسية في أسوأ السيناريوهات الممكنة.

في هذا السياق، تبرز المنظومة الصحية كعنصر محوري في معادلة الصمود. نظام صحي قوي يعني قدرة على امتصاص الصدمات، وحماية القوى العاملة، وضمان استمرارية الخدمات الحيوية، ومنع الانزلاق نحو الفوضى الاجتماعية والاقتصادية. ولهذا السبب، باتت الجاهزية الصحية تُدرج صراحة ضمن حسابات الأمن القومي الحديث.

استنتاج استراتيجي
الصحة العامة ليست ملفًا تقنيًا، ولا قضية خدماتية يمكن تأجيلها أو التعامل معها بمنطق الحد الأدنى. إنها خيار استراتيجي يحدد موقع الدول في ميزان القوة العالمي. الاستثمار في الصحة هو استثمار في الاقتصاد، وفي الاستقرار، وفي الأمن القومي، وفي قدرة الدولة على الصمود أمام الصدمات المستقبلية.

الدول التي تستوعب هذا التحول تبني قوتها من الداخل، وتدرك أن الإنسان الصحي هو أساس كل قوة أخرى. أما الدول التي تُهمّش الصحة العامة، فهي تراكم ضعفًا صامتًا، قد لا يظهر في أوقات الرخاء، لكنه ينفجر بقسوة عند أول اختبار حقيقي.
© جميع الحقوق محفوظة صحيفة الأنباط 2024
تصميم و تطوير