الأنباط -
دبلوماسية اللقاء والعبور: قراءة في حركة السفير الأمريكي ودورها في النسيج الأردني
تستمر زيارات السفير الأمريكي المتكررة والمكوكية بين دهاليز الوزارات الرسمية ومجالس العزاء واللقاءات الشبابية في إثارة جدل واسع في الأردن، مُقسمة الرأي العام بين مُشكك يرى فيها تجاوزاً للأعراف، ومُبرر يعتبرها جزءاً طبيعياً من العمل الدبلوماسي الحديث. إنَّ جوهر هذا الحراك يكمن في فهم تحولات الدبلوماسية؛ فبينما يركز البعض على الأعراف التقليدية، يغفلون أن الدبلوماسية العامة، التي تستهدف التأثير على الرأي العام مباشرة، تندرج تحت الغطاء القانوني لـ"اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية" نفسها، التي نصت صراحة على أن وظائف البعثة تشمل "تعزيز العلاقات الودية" و"الاستعلام بكل الوسائل المشروعة"هذه الزيارات تكتسب أهمية مضاعفة في ضوء الشراكة الاستراتيجية الضرورية التي تربط الأردن والولايات المتحدة؛ وهي علاقة اعتمد عليها الأردن في تجاوز فترات تاريخية صعبة، كان فيها الدعم الأمريكي بكافة اشكاله عاملاً حاسماً للحفاظ على استقرار المملكة ودورها المحوري.
إنَّ حراك السفير ليس مجرد فضول ثقافي، بل هو خطة استراتيجية متكاملة تهدف إلى بناء نفوذ ناعم ورصد للنبض الشعبي. لكن الحقيقة الأكثر عمقاً تكمن في أن السفير هو في المقام الأول واجهة تنفيذية لإمبراطورية معلوماتية وعملياتية ضخمة داخل السفارة؛ حيث أن الأقسام المتخصصة (السياسية والاقتصادية وغيرها) هي التي تقوم بالاتصالات الجوهرية وتصوغ التوصيات التي تُبنى عليها معظم السياسات الأمريكية تجاه الأردن. الزيارات المكوكية للسفير تأتي كـقيادة عليا لتأكيد هذه السياسات وتثبيت الشراكة.
وبدلاً من التركيز على منع هذه الزيارات، يكمن التحدي الأردني في إدارة هذا التفاعل واستثماره. فقبول هذا الحراك هو قرار استراتيجي لخدمة المصلحة الوطنية العليا، ويتطلب من الجهات الرسمية أن تكون هي الطرف المُبادر في استخدام هذه اللقاءات لإيصال الرسائل الوطنية الحازمة.
الدبلوماسية الحديثة لم تعد حِكراً على البروتوكولات الجامدة، بل باتت جسراً مفتوحاً، والأهم هو أن يمتلك الطرف الأردني الوعي الكافي لاستخدام هذا الجسر بذكاء لخدمة مصالحه الوطنية العليا.