عبد المهدي القطامين
بدعوة كريمة من وزارة الثقافة حضرت لقاء رئيس الوزراء عمر الرزاز بنخبة من مثقفي الوطن للتباحث باولويات الحكومة خلال العامين القادمين وفي مستهل حديثه يعترف رئيس الوزراء الذي هو اقرب الى المنظر منه الى رئيس سلطة تنفيذية يعترف بان ثقة الناس بالحكومة مفقودة ويتساءل عن سبل اعادة الثقة المفقودة ثم عرج على مفهوم دولة الانتاج ودولة الريع ودولة القانون والمؤسسات وكل هذه المصطلحات هي فعليا في ذهن رئيس الحكومة بحكم عمله السابق كباحث لكن اي ظل لها لغاية الان ليس له اي ملمح على ارض الواقع .
الرئيس الذي يبدو لمحاوريه ذكيا المحيا واثقا من مفرداته يغيب عنه في غمرة التنظير الذي يجيده الاسباب الحقيقية لغياب ثقة الناس بحكوماتهم وليست حكومته بمنأى عن هذا التوجه خاصة وانها طالعة للتو من فرض قانون الضريبة الجديد الذي شوه سمعتها الى حد بعيد ويبدو ان الرئيس يحاول في لقاءاته المتكررة مع النخب خاصة الثقافية تلميع الصورة مجددا بحثا عن البقاء اطول فترة ممكنة لتنفيذ سياساته ومشروع النهضة الذي بات منظرا له ولكن دون امتلاك اساسيات وطرائق هذه النهضة وطنيا والى اين يمكن ان تسيرهذه النهضة في ظل واقع اقتصادي مؤلم وفي ظل صراعات اقليمية ودولية بات التنبؤ بما تؤول اليه ضربا من المستحيل .
تركيز الرئيس على دولة الانتاج جميل لكنه غير واقعي فدولة الانتاج تعني امتلاك الدولة لوسائل الانتاج وعناصرة الرئيسة المتمثلة بالموارد المتاحة سواء بشرية كانت ام طبيعية والعمل والعمال وانواعه زراعة صناعة مكننة اليات واخيرا رأس المال القادر على ادارة وتوفير هذه العناصر وهنا تبرز معاناة تطبيق هذا المفهوم في الدولة الاردنية المتمثل بغياب رأس المال القادر على ترجمة مفهوم الانتاج وغياب الاجر الحقيقي القادر على تحفيز العمالة المحلية للانخراط في الانتاج وغياب المورد الطبيعي الداخل في الانتاج والذي يخلق القيمة المضافة لاي عملية انتاج في الاقتصاد الكلي كل هذه العناصر تعاني من الندرة في الاقتصاد الوطني ولكن يبدو ان الرئيس الحالم قليلا يتجاوز مثل هذا في رحلة تسويق مفهومه للعامة حتى وان بدا مثل هذا غير حقيقي وغير قابل للتطبيق .
وفي سياق سعي الرئيس نحو تسويق خطاب جديد للحكومة الاردنية يتكىء كثيرا على مفهوم الدولة الريعية وفي علم الاقتصاد يشير هذا المصطلح الى ان الدولة تلجأ هنا الى استمداد جزء من ايراداتها الوطنية من خلال تأجير مواردها الوطنية المحلية لعملاء خارجيين وهو اقرب لمفهوم الخصخصة وقد مرت البلاد بسلسلة كارثية من تطبيق هذا المفهوم اذا اطاحت بالشركات الوطنية الكبرى وببعض المؤسسات الوطنية والتي كانت تشكل ملجأ وطنيا للتوظيف وموردا اساسيا من موارد الدولة الاقتصادية وهنا يبدو ان الرئيس ما يزال مصرا على ان مثل هذا الاسلوب هو اسلوب مفيد وناجع في مواجهة الازمة الاقتصادية التي تعانيها البلاد والتي تعتمد في حلها على المعونات والقروض من الجهات المقرضة .
لقاء المثقفين مع الرئيس لم يكن ثقافيا البتة على الرغم من ان عنوان اللقاء كان ثقافيا وباستثناء بعض المداخلات التي صبت في توضيح سلطة الثقافة وثقافة السلطة والتي مر عنها الرئيس ولم يعلق عليها فقد تساءل الحاضرون من النخب الثقافية عن جدوى مثل هذه الدعوة او اللقاء الذي ناقش الاقتصاد ولم يعرج على الثقافة ولا على الهم الثقافي الذي لا تخطئه العين في وجوه المثقفين المثقلين بتعب السنين وغياب الحكومات المتتابعة عن ملامسة همهم الانساني والفكري والابداعي وتساؤلاتهم عن سؤال مركزي لا يتعلق بالثقافة فقط ولكن عن بوصلة الوطن الى اين تتجه في ظل تجاذب من الاطراف كافة الخارجية اقصد هنا وعن سؤال الهوية الى اين ؟؟؟ والذي يبدو انها تمر الان في مرحلة حرجة .
اخيرا اجزم ان الرئيس الرزاز منظر من طراز رفيع ولكن وكما يقول المثل الشعبي” حساب السرايا غير حساب القرايا ” وما بينهما الكثير من المسكوت عنه والذي لا يمكن البوح به على رؤوس الاشهاد// .