بلال العبويني
ربما تكون المرة الأولى التي يمكن القول فيها إن اتفاق وقف النار في غزة يصب في صالح الاحتلال الإسرائيلي أكثر منه بالنسبة للمقاومة الفلسطينية في غزة، وذلك بالنظر إلى رشقات الصواريخ التي استهدفت مستوطنات غلاف غزة واستهداف حافلة إسرائيلية بعملية نوعية اختار المقاومون ان يوثقوها بالفيديو.
أهل غزة لا يتمنون الحرب والتصعيد بكل الأحوال، فما يكابدونه من حصار على مر السنوات الماضية يجعلهم تواقين إلى الحياة والسلام وإلى الانفتاح على العالم الخارجي شأنهم كشأن باقي سكان العالم، لكنهم لا يتأخرون قيد أنملة للدفاع عن أرضهم إذا ما اختار العدو الإسرائيلي التصعيد.
ما وصلت إليه المقاومة الفلسطينية في غزة من إمكانات أذهلت الجميع بدءا من إفشال المخطط الصهيوني في اقتحام خانيونس وليس انتهاء بعملية الحافلة النوعية، ولربما هذه الإمكانيات والتأهب والاستعداد من قبل المقاومة ساهمت في قبول الاحتلال بوقف اطلاق النار الذي توسطت به مصر.
سياسيا، وبعد التصعيد الحاصل في قطاع غزة وكشف المقاومة عن إمكانياتها أعتقد أن الاحتلال الإسرائيلي سيكون تواقا أكثر من أي وقت مضى للإعلان عن هدنة طويلة الأمد مع حركة حماس المسيطرة على القطاع، وأظنها ستزيد التنسيق مع مصر من أجل تفعيل وساطتها حيال هذا الأمر.
اتفاق الهدنة يحتاجه أهل غزة أيضا، وهم من أكثر المتضررين من وقوع أي تصعيد لأنهم يعلمون جيدا أنهم الهدف الإسرائيلي الأسهل، فإن لم يكن من بينهم شهداء ومصابون فإن بيوتهم معرضة للهدم وبالتالي سيعيشون في العراء لفترات زمنية طويلة.
لكن، وقبل التوقيع على اتفاق الهدنة، يجب ان يسير قطار المصالحة نحو الأمام، ولا يجب أن تضع الحركتان فتح وحماس العراقيل أمام إنجازها بنجاح، لأن توقيع اتفاق هدنة مع حركة حماس دون توقيع اتفاق مصالحة كامل مكتمل مع فتح سيظل الأمر مختلا وسيظل التصعيد الفلسطيني الداخلي حاضرا، وبالتالي لا معنى لاتفاق الهدنة مع الاحتلال حتى وإن تم انجازه.
من هنا يجب على مصر باعتبارها الوسيط في الملفين "التهدئة والمصالحة" بذل المزيد من الجهود لإنجاح المصالحة وعلى الحركتين أيضا أن تترفعا عن مصالحهما الخاصة والضيقة وأن تغلبا المصلحة الوطنية العليا وتنجزا المصالحة، لأنه بعد إذن من المهم أن يكون توقيع الهدنة بحضور السلطة الفلسطينية كطرف في التوقيع باعتبارها عنوانا سياسيا معترفا به دوليا، وبغض النظر عن المواقف المتباينة تجاهها من حيث شرعيتها أو عدمه.
التغني ببطولة المقاومة في غزة أمر مطلوب دائما، وهي على الحقيقة تستحق التمجيد، وما قلناه سابقا ليس معناه التخلي عن خيار المقاومة مطلقا، بل إن الواقع يفرض على الفلسطينيين اليوم إجراء مراجعة شاملة لمسيرة العمل السياسي والعسكري، وإن كان الأخير قد اختفى أو كاد من خيارات الفصائل المقاومة.
اليوم، يجب التوقف والشعور مع أهل غزة الذين يكابدون الأمرين وعلى المستويات المختلفة، من حصار وفقر وإعمار والحاجة للسفر من أجل العلاج والتعليم وما إلى ذلك من احتياجات هي من أبسط متطلبات الإنسان ليبقى على قيد الحياة.
بالتالي، فإنه مطلوب من الفصائل الفلسطينية جميعا أن تجري مراجعة شاملة لعملها، وأن تضغط راهنا لانجاح المصالحة ومن ثم التهدئة، علها تصل خلال تلك الفترة، إن تحققت، إلى الإعداد الجيد للإنطلاقة من جديد ببرنامج مقاوم يتناسب والواقع الراهن عبر تطوير أدواتها.//