سقوط حكومي مروع
بلال العبويني
لم يستفد رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز من منسوب الشعبية المرتفع الذي حظي به منذ تكليفه بتشكيل الحكومة، بل واصل تدمير تلك الثقة الشعبية وبشكل متسارع حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم.
كان المأمول أن يعوض الرئيس إخفاق التشكيل الحكومي الأول بالتعديل الأول الذي أجراه على حكومته، غير أن النتيجة جاءت محبطة كون لا أحد لديه اليوم علم عن سبب مغادرة الوزراء المغادرين أو سبب دخول بدلائهم.
فاجعة البحر الميت التي أحزنت جميع الأردنيين أظهرت الرئيس وطاقمه بصورة ما كان احد يتمناها له، تحديدا أولئك الذين عوّلوا عليه كثيرا في تغيير نهج إدارة الدولة وفي طريقة التعاطي مع المستجدات من القضايا سواء أكانت كوارث طبيعية، ككارثة البحر الميت، أو خلافها.
فاجعة البحر الميت، بدا فيها الكثير من الوزراء يتصرفون كصغار الموظفين في وزاراتهم بمحاولة التنصل من المسؤولية وإلقاء اللوم على الغير، في سلوك صورهم على أنهم أبعد ما يكونون عن رجال الدولة القادرين على الاعتراف بجرأة عن مسؤوليتهم عن الأخطاء الكبرى المرتكبة في الوزارات التي يحملون حقائبها.
ثمة مسؤولية أخلاقية وسياسية لا أحد ينكرها في مثل هذه الحوادث والكوارث المفجعة، وهي سلوك قويم يلجأ إليه المسؤولون في العالم المتحضر وربما في بعض دول العالم الثالث، غير أنها وللأسف ليست في وارد قواميسنا التي يقدس فيها المسؤولون المنصب على غيره من مقدسات حتى ولو كانت أرواح أطفال أبرياء، بل إن المنصب يمحي من ذاكرة المسؤولين سريعا بعض المواقف المتقدمة التي كانوا يتخذونها قبل أن يتسلموا حقائبهم الوزارية، في سلوك غريب وغير مفهوم يؤشر إلى الجوع المتفشي للجلوس على كرسي المسؤولية.
في فاجعة البحر الميت، ثمة سؤال مطروح عن الفارق الذي سجّله رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز، كرجل قادم من خلفية تنويرية، عن سابقيه من الرؤساء القادمين من خلفيات محافظة تقليدية.
ثمة سؤال مطروح اليوم عن أهلية الوزراء في التعامل مع الجمهور وفي التعاطي مع المعلومات وكيفية إيصال الرسائل الإعلامية في الأزمات دون أي تشويه لها أو تضليل للجمهور المتعطش للمعلومة الصادقة المجردة من أي تحريف أو تبرير، ودون حتى المسارعة إلى تبرئة النفس وإلقاء التهم على الغير وقبل أن تشرع الجهات المختصة في إجراء التحقيقات اللازمة للوصول إلى الحقيقة.
نعلم أنه كان يُعول على الرئيس كثيرا منذ البدء، وأن حكومته كانت تشكل فرصة مهمة لتغيير النهج الذي درجت عليه الحكومات في التعامل مع القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية وما يستجد من قضايا وأحداث.
لكن ثبت للناس، على الأقل في هذه المرحلة بالذات، أن لا تغيير قد نشهد ولا ما يحزنون، رغم أن الفرصة كانت مواتية وبشكل كبير لذلك.
تبادل الاتهامات والتلاوم والهروب من المسؤولية الأخلاقية والسياسية للوزراء، أعتقد أنها "الشعرة التي تكاد تقصم ظهر البعير"، إن لم "تقصمه" بالفعل، إن لم تتحمل الحكومة أو بعض وزرائها المسؤولية الأخلاقية عما جرى، وتسجل نهجا جديدا بتقديم من تقع عليه المسؤولية استقالته احتراما لأرواح الأطفال البريئة.
وإن لم تتم مبادرة الوزراء لذلك، فالإقالة يجب أن تكون حاضرة وعندئذ يجب إبلاغ الناس صراحة بأسباب الإقالة، وإلا فإن الرئيس الرزاز لن يكون بدعة من سابقيه، وأن تعويل الناس عليه كان في غير محله مطلقا، عندها نكون قد خسرنا آخر أمل في الخلاص من تعجرف الحكومات السابقة في تعاملها مع المواطنين وقضاياهم الملحة.
على الرئيس أن لا يخذل من منحه الثقة، وأن يكون عند مستوى طموح وتطلعات من آمن بقدرته على التغيير، وهذه اللحظة على قسوتها، إلا أنها مناسبة له لإثبات ما عزم عليه، وليحمي الحكومة من السقوط أكثر في نظر من وثق به ومن منحه الثقة.//