د. أيّوب أبو ديّة
لا يمكن رؤية قطاع النقل بوضوح إلا من منظور شمولي يأخذ مختلف الأبعاد المادية والمعنوية المتعلقة به، كالبنية التحتية والبناء الفوقي لقطاع النقل المتمثلة في سياسات وأخلاقيات هذا القطاع وحسن إدارته ، كذلك دراسة نوع الطاقة المستخدمة في هذا القطاع وكمية استهلاكها والتلوث البيئي الناجم عنها، فضلاً عن الخيارات التكنولوجية المتاحة لهذا القطاع وطرائق تحفيز الاستثمار فيه.
أما فيما يتعلق بالبنية التحتية لهذا القطاع فهي جيدة نسبياً، مقارنة باحوال دول كثيرة وبخاصة تلك التي تنخرط ضمن دول العالم النامي، ولكن ذلك لا يكفي حيث ينبغي السعي إلى صيانة هذه الشوارع والجسور وتطويرها بعد انتهاء البناء وتسليمها عهدة لدى وزارة الأشغال العامة. فكما تقوم أمانة عمّان الكبرى بعمل صيانة وتفتيش على المناهل قبيل فصل الشتاء فإنه ينبغي كتابة تقارير عن الحفر في الشوارع وأحوال المناهل ومناسيبها وأحوال أساسات الجسور ونوعية خرسانتها وفواصل التمدد فيها وفتحات تصريف مياه المطر على الجسور ومن حولها وما إلى ذلك.
كثيراً ما نشاهد في فصل الشتاء المياه المتراكمة على مناطق محددة واقعة فوق الجسور، وهي مسألة خطرة لا يجوز إغفالها أو الانتظار حتى تجف هذه المياه، بل ينبغي السعي لفتح قنوات تصريف لها كحال أرضية الجسر العلوي فوق دوار عبد الناصرعند بداية المخرج صوب العبدلي (اشارة الفولفو)، إذ تتجمع المياه إثر كل عاصفة مطرية خلال فصل الشتاء، وحيث يتمثل سبب الخطورة في أن تراكم المياه المتكرر يزيد من حمضيتها بفعل غازات عوادم المركبات الذائبة في مياه المطر والزيوت المتساقطة والهواء الملوث، الأمر الذي يؤدي إلى تفكك الخرسانة وصدأ أسياخ التسليح بمرور الوقت، وبالتالي تشكل خطراً على المركبات في المستقبل.
وهذه الظاهرة تتكرر في كثير من المنشآت الخرسانية على الطرقات حيث تتعرض الحواجز أو الجسور العلوية لاصطدام مركبات بها، وكثيراً ما يكون السبب ارتفاع زائد في الحمولة الذي كان ينبغي أن يوضع سلك معدني علوي لغرض الحماية قبل الجسر ولتحذير السائق من الخطر الذي هو مقدم عليه. والحق أن الضرر، حتى لو كان تشققاً صغيراً في سطح الخرسانة، فإنه يؤدي إلى صدأ أسياخ التسليح بمرور الوقت، وبالتالي يشكل خطراً كامناً ينتظر الحدوث عند أقل حادث اصطدام مروري أو اجتياح سيل جارف أو ضرب هزة أرضية.
خلاصة القول في البنى التحتية لقطاع النقل أنه من الضروري متابعة هذه الإشكاليات الإنشائية، بما في ذلك أبسط حالات الخلل والاهتراء، كهبوط في أرضية طريق مثلاً، لأن ذلك من شأنه التسبب في كارثة ضخمة وبخاصة لأن الامثال لابسط قواعد الامان والسلامة في هيكل المركبة أو في عقلية السائق غير متوفرة في بلادنا. والمطلوب أيضاً تجاوز البيروقراطية المعهودة واتخاذ قرار سريع في هكذا أحوال بحيث تتحرك فرق الصيانة خلال يوم أو يومين كأقصى حد من تاريخ إصدار التقرير الداعي لإصلاح الضرر والقيام بوضع الإشارات التحذيرية اللازمة لحماية المركبات قبل عملية الصيانة وخلالها. هذا، وسوف نتابع الحديث عن باقي عناصر رؤيتنا الشمولية لقطاع النقل في مقالة قادمة.//