سافرت إلى القارة الأميركية في عمر صغير، درست التاريخ المعماري لغرب إفريقيا وتخرجت في جامعة واشنطن، ثم عادت إلى وطنها الأردن، ثم مكثت في حلب عشر سنوات، تزوجت ريتا -وهي من أسرة مسيحية عريقة- من زوج مسلم هجين، وتنقلت بين وظائف عدة إلى أن اضطربت الأمور في سوريا؛ حيث كان بيت الزوجية، فعادت إلى أميركا وأنشأت مكتباً سياحياً صغيراً كان متخصصاً في الرحلات من وإلى الشرق الأوسط.
ولأنه متخصص كان الأول من نوعه، وفي فترة وجيزة صار الأكثر انتشاراً وكان من أفضل مائة شركة سياحة بأميركا، تخطى رأس مالها المليون دولاراً، واستمرت الأمور على نحو جيد حتى قامت حرب العراق، تأثر عمل السيدة «ريتا زويدة» بالحرب وبالأحداث غير المستقرة في الشرق الأوسط، فقامت بتحويل جزء من نشاطها السياحي وحافلاتها السياحية إلى نشاط تطوعي لإسعاف المتضررين من الحرب، وإرسال القوافل الطبية والإسعافات والأطعمة المعلبة.
مع نزوح العرب اللاجئين من العراق إلى أميركا، ظهر نوع جديد من المشكلات، ومنها الفروق الثقافية، فالمرأة العربية ذات الرداء الحجاب الطويل الذي يغطي الوجه في بعض الأحيان ولباسها غير معتاد يبعث على الحيرة، وعيناها اللتان لا تتواصلان بصرياً بمن يحدثها وتحدق بالأرض في خفر وحياء أمر يبعث على الريبة والشك، الأميركان لا يفهمون لماذا تنظر المرأة العربية للأرض؟ لمَ لا تصافحهم؟ لمَ تغطي رأسها؟
كل هذا تطلب نوعاً من الأنشطة يبني جسوراً ثقافية بين الثقافتين لرأب الصدع ولتدريب اللاجئين على المواقف المختلفة في البيئة الجديدة، وكذلك لإعدادهم للانغماس في المجتمع الأميركي لمواصلة حياتهم الطبيعية، وكان هذا ما قامت عليه السيدة ريتا، والتي بالتعاون مع مكتب الاستخبارات الأميركية والشرطة أنشأت رابطة الأميركان العرب Arab American community coalition لدعم اللاجئين وتدريبهم، وعمل محاضرات تثقيفية لمساعدة اللاجئين لفهم ثقافة المجتمع الأميركي؛ لتسهيل دمجهم في المجتمع الأميركي، وكانت فكرة ناجحة في وقتها، خصوصاً بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول وتفجير مبنى التجارة العالمي، حيث كانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر نقطة البداية لمحو كل ما له طابع عربي أو إسلامي، والترهيب من كل ما يتعلق بالثقافة العربية، وكل ما يأتي منها أو يجلبها، استمرت الأمور تزداد سوءاً حتى تم القبض على عائلة الحموي السورية، كانت الأسرة مكونة من أب وأم وثلاثة أبناء، منهم ولدان صغيران وتم التحفظ على الأب -الذي يملك متجراً صغيراً لبيع البقالة والمنتجات العربية- والأم والابنة بينما تُرك الصغيران وحدهما بالمنزل. تم اعتقال الأب والأم والابنة والتحفظ على كل منهم في الحبس الانفرادي والتهمة الموجهة لهم أنهم عرب!
كانت السيدة ريتا على علاقة بتلك الأسرة، فتضافرت جهودها مع جهود أبناء الجالية العربية وقتها لجمع المال من أجل دفع إيجار المنزل الذي تقيم به العائلة ولإعاشة الطفلين، وتكاتف أبناء الجالية لإثارة الوعي العام بعمل مظاهرات والتواصل مع الجهات الحكومية والمسؤولين لإثارة ضجة إعلامية لإثارة الرأي العام حول قضية عائلة الحموي لإطلاق سراحهم، وهنا تجلّى دور رابطة العرب لنشر الوعي عن القضية، وكُللت الجهود بالنجاح بعد تسعة أشهر؛ حيث أطلق سراح الأم والابنة، وبعد عام كامل من الاعتقال أطلق سراح الأب، ومنذ تلك اللحظة صارت فكرة إنشاء رابطة لدعم الجالية العربية وإنشاء متحف ثقافي عربي هامة لإثراء التبادل الثقافي ونشر الثقافة العربية المفترى عليها، وتعديل الانطباع العام عن العرب في مواجهة الترهيب الإعلامي للمجتمع الأميركي من الثقافة العربية الإسلامية ووصمها بالإرهاب والتطرف.
في رأي السيدة ريتا فإن الثقافة العربية تتضاءل وتستبدل بالثقافة الأميركية، فالأطفال العرب منغمسون في الثقافة الأميركية ولا يتعرضون لثقافتهم وتراثهم بشكل كافٍ، هم يدرسون ويتعلمون ويحتفلون ويعيشون بلغة وثقافة أخرى، في حين لا شيء جيد يُذكَر عن ثقافتهم، حتى في المهرجانات الثقافية، الراقصات المشاركات مؤديات أميركيات بأسماء عربية مستعارة، ترى هل ما يحدث الآن غزو ثقافي؟
متحف السلام الثقافي الذي تم إنشاؤه في مدينة سياتل بولاية واشنطن عام 1994 شارك في المهرجانات المختلفة بالمدينة لعرض التراث العربي وعرض قطع أثرية وأزياء من التراث العربي ويُعدّ الرحلات للعديد من الولايات ويستجلب الكتاب العرب مثل سهير حماد -ولدت بأحد معسكرات اللاجئين- وعالية محمود وفادية فقير لعقد الندوات الثقافية ونشر الكتب الخاصة بالإبداع العربي، ومن بين تلك الكتب التي نشرت ووزعت بمساعدة من المتحف: قلم من الحديد الدمشقي لعلي فرضات، وكتاب حديد وحرير لسامي مبيض.
بعد اندلاع الثورة في سوريا في 2011، سارت الأمور من سيئ لأسوأ، وبات السفر إلى سوريا أمراً بالغ التعقيد، لكن ما زالت الجالية العربية بالولايات المتحدة ترغب في المساعدة، فكانت الخطوة التالية هي القيام بمبادرة لجمع التبرعات لمخيمات اللاجئين بمخيم الزعتري بالأردن وكذلك بجزيرة ليسبو باليونان، حيث صار اللاجئ يتجه سيراً على الأقدام من سوريا لتركيا، ثم تقله المراكب إلى اليونان ومنها إلى أوروبا، وظلت الأمور هكذا إلى أن صارت الحكومات الأوروبية تتعنت مع وفود اللاجئين الجديدة، فلم تعد اليونان تستقبل مراكب اللاجئين الوافدة من تركيا، وسدوا المعابر في وجوههم، فصارت الحدود اليونانية مع مقدونيا هي المكان الوحيد الذي يصلح لإقامة معسكرات للاجئين، وبالجهود الفردية وبحملات التبرع -من خلال الأنشطة التطوعية للمتحف- التي تستقطب جمع الأموال والمساعدات الطبية للاجئين تم إنشاء مدرسة صغيرة في معسكر اللاجئين هناك -على حدود مقدونيا- ويتم إرسال القوافل الطبية كل 45 يوماً، والقوافل الطبية بها أطباء وأطباء أسنان وحقوقيون، حيث يتم الكشف الطبي على 500 – 700 شخص يومياً في معسكرات اللاجئين، كما يتم جمع التبرعات من الملابس والأطعمة والأدوية بشكل دوري في حاويات يتم شحنها للأردن كل شهرين ونصف الشهر
من بين الأنشطة التوعوية والتطوعية للمتحف وللقائمين عليه أيضاً، محاولة إدماج اللاجئين وجمع التبرعات من أموال وأجهزة منزلية وملابس وأثاث وطعام من أجلهم حتى تستقر حياتهم، ويقوم على تعليمهم وتثقيفهم؛ ليحصلوا على وظائف، وقد تم تشغيل بعضهم بالفعل في مقاهٍ ومصانع، أما الأمهات فيتم تدريبهن على الحياة الجديدة بتعليمهن الإنكليزية وتدريبهن على بعض الأشغال والحرف اليدوية، وكذلك الأطفال ويتم بيع المنتجات من إكسسوارات وحلي بالمعارض، فتساعدهم على كسب أقواتهم.
السياسيون الأميركيون وموقفهم من المتحف
وعن موقف السياسيين الأميركيين تجاه المتحف، فهو كما تقول السيدة ريتا دور غير ريادي، فهو يقتصر فقط على الدعم اللفظي، فلا أحد يريد أن يفتح عليه بوابة جهنم المتمثلة في غضب العامة، أو يريد مواجهة أسئلة من نوع: «لماذا تقتطعون من ضرائبنا لتعطوها لهؤلاء؟!». لذلك فمتحف السلام الثقافي بمدينة سياتل الأميركية قائم على تضافر الجهود الفردية لأبناء الجالية، ومسجد المنطقة، والمتطوعين من الأفراد العرب والأميركان الذين لا يتقاضون أموالاً نظير جهودهم
ومن أبرز الشخصيات من المجتمع الأميركي التي تدعم مبادرة متحف السلام الثقافي من أجل اللاجئين السيد جيه انسلي، محافظ ولاية واشنطن، والسيد جيم ماكديرموت العضو السابق بالكونغرس الأميركي.
ولما سُئلت السيدة ريتا عن ردة فعل الحكومة الأميركية، خصوصاً في ظل حكم الرئيس دونالد ترمب على مبادرتها من أجل اللاجئين، خاصة بعد تضييق الخناق، وغلق بعض المنظمات غير الربحية التي تساعد العرب مثل منظمة الأونروا في فلسطين، كان ردها أن الحكومة الحالية تمارس الضغوط لتقليل الوافدين من اللاجئين، حيث تقلصت الأعداد الوافدة من 24000 لاجئ إلى 11 لاجئاً فقط!
«الحكومة لا ترغب في دفع أي أموال لأي منظمة تتعامل مع السوريين أو أي شيء به كلمة سوريا» (هذا ما قالته السيدة ريتا) حرفياً!
الحكومة الأميركية في السابق كانت توفر إعانات شهرية تصل لـ700 دولار شهرياً للاجئ، وكذلك مساعدات عينية للحصول على مساكن وأطعمة بأسعار مخفضة، لكن يتم اقتطاع قسط شهري من هذه النقود لدفع ثمن رحلة اللاجئ على الطائرة التي تقلّه من أوروبا، إلى جانب أن الـ700 دولار -في بعض الأحيان أقل من ذلك- لا تكفي لإعاشة فرد واحد، فما بالُك بأسرة؟ كذلك فإن الحكومة الحالية تعمل علي إصدار قرار بمنع منح الجنسية الأميركية للاجئين الذين يحصلون على أي نوع من الإعانات.