دون أي مبالغة، فإن الأردن يعبر توقيتا حرجا، هذه المرة، بسبب ماليته ووضعه الاقتصادي، وكل الخيارات اسوأ من بعضها البعض، في توقيت له ظلاله السياسية، ايضا في الاقليم.
تعديلات قانون ضريبة الدخل صعبة، وتلقى معاندة من قطاعات كثيرة، والاردن اليوم، اما امام محاولة لتمرير ذات روح القانون الذي حاولت حكومة الملقي تمريره، وهو ما يريده صندوق النقد الدولي، بما يعنيه ذلك من احتمالات لحدوث احتجاجات وفوضى ومظاهرات، مع المعلومات التي تؤكد ان هناك ترتيبات باتت جاهزة لساعة الصفر في حال اقرار التعديلات بهذه الصيغة، واما يتعرض الاردن لحرمان من القروض، في حال عدم الاستجابة للصندوق، وتخفيض تصنيفات الاردن الائتمانية، بما يعنيه ذلك من اغلاق ابواب المساعدات والمنح والقروض، بما قد يوصلنا الى النموذج اليوناني، نهاية المطاف، واما تبتكر الحكومة الحالية حلا وسطا، يقبل به الناس، ولا يرفضه صندوق النقد الدولي، وهذا بحد ذاته امر بحاجة الى معجزة، لا نعرف كيف ستتنزل علينا وعليهم؟!.
كل الخيارات اصعب من بعضها البعض، وهذه هي نتيجة الارتهان للمؤسسات الدولية، هذا فوق ان الدعم النقدي العربي والدولي، توقف فعليا، واغلب المساعدات عبارة عن مشاريع، فلا دعم ماليا بمعنى النقد الذي يدخل الخزينة، وهذا امر ليس سرا، وتم الاعلان عنه مرارا، خلال الشهور القليلة الماضية، بما يعني ان محاولات اطفاء العجز، عبر الحصول على مساعدات نقدية، امر بات فعليا، في حكم الماضي، وحلوله وتصوراته، التي لن تتكرر لاعتبارات كثيرة.
اسهل الحلول اليوم، اقالة الحكومة الحالية مجددا، او استقالتها، قبيل حدوث ازمة كبرى، او بسبب حدوث ازمة كبرى، لكن العبرة فيما يحدث اليوم، ان تكرار سيناريو حكومة الملقي لن يؤدي الى اي نتيجة، ولربما الاكثر استمتاعا بما يحدث اليوم، هم الفريق الاقتصادي لحكومة الملقي، اذ يقولون للناس ضمنيا، ان المشكلة ليست فيهم، ولم يكن وجودهم هو المشكلة، وليس ادل على ذلك من سقوط الحكومة، ومجيء حكومة جديدة، واجهت الاستحقاق ذاته، وتعبر الارض الملغمة في ظل ما يمكن وصفه، تأخرا في اقرار طلبات صندوق النقد الدولي.
اذا كانت الصراعات السياسية، تبيح التشفي، بهذه الحكومة، فإن التشفي هنا، بهذا الوضع الحرج، يبقى دليلا على الخفة السياسية، لان الاردن ذاته معرض لهزة مالية، وليس شخص الرزاز وحكومته، لكن من حق السابقين، انتظار كرامات اللاحقين، ومعجزاتهم.
ما ينبغي قوله هنا، ان المطابقة بين حالتي حكومة الرزاز، وحكومة الملقي، مطابقة جائرة، لان المطالبة برحيل الحكومة السابقة، لم تتأسس فقط بسبب تعديلات ضريبة الدخل، بل بسبب جملة عوامل مختلفة، تراكمت ضد الحكومة السابقة، وهذا يعني ان افتراض سقوط الحكومة الحالية، او اقالتها او استقالتها، بسبب ضريبة الدخل، قد لايبدو افتراضا منطقيا، مع وجود تغيرات في المزاج العام، بين حكومتين، وبين ظرفين، وبين تراكمات كل طرف في الشارع.
بيد ان هذا كله، لا يلغي اي احتمالات، ولربما مخرج النجاة الوحيد، الوصول الى صيغة منطقية، ترضي الشارع، والصندوق معا، وفي حالات اخرى، شرح ما يجري بطريقة واضحة ومباشرة للناس، حتى يفهم الجميع، حقيقة الازمة التي وصلنا اليها، وانعدام الخيارات، امام الاردن، وهي سمة وصلنا اليها، بسبب اخطاء متراكمة لحكومات سابقة، اضافة الى ما فرضته الظروف عنوة على الاردن، ولعل الجرأة في المكاشفة، هي الحل الوحيد، فقولوا لنا كل السيناريوهات المحتملة؟!.
لو استقال الرئيس غدا، مثلما حدث مع الملقي، فلن يتغير شيء، وهذا يعني بشكل مباشر وواضح، ان الثمن السياسي، هنا، ليس كافيا، لان المشكلة ما تزال قائمة، كما ان سياسات صندوق النقد الدولي، وفي حالة افتراض تجاوب كل الاردن، مع ما يريده الصندوق، ستؤدي الى تعميق الازمة الاقتصادية، وجدولة الازمة، نحو حافة أخطر في توقيت لاحق، مثلما حدث مع دول عديدة، اعلنت افلاسها، او عجزها عن سداد ديونها والتزاماتها.
لم تعد القصة، قصة رئيس الوزراء د. الرزاز، حتى لانبقى ندور بذات الطريقة، وما يمكن قوله اليوم، ان القصة تتعلق بالاردن ذاته، وما يواجهه من وضع اقتصادي خطير، في ظل تحولات اقليمية اخطر، واعادة رسم لكل الجغرافيا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والامنية في المنطقة، وفي ظل انعدام الخيارات ووصولنا جميعا، الى ما يمكن اعتباره التوقيت الاكثر حساسية في تاريخنا.
الدستور