لم يكن قراري، حين اصطحبني أبي ذات يوم للمدرسة.. وقالت لهم المديرة، أني لم أبلغ السادسة من العمر بعد،
وهو لم يأبه.. قال لها: (ادحشوه مع العيال).. ودخلت المدرسة، دون أن أدري أن ثمة بنات صارمات، رفضن أن أجلس
بجانبهن في (الرحلاية).. عرفت يومها قسوة النساء، وكنت أظنهن مثل أمي حنونات.
لم يكن قراري.. حين، هربت حافيا ذات يوم .. وطاردتني جميع مرتبات العائلة، بما فيها النساء الحوامل.. وتم اعتقالي على مسافة (5 (كيلو مترات من منزلي، واقتيادي إلى الطهور عنوة.. لم يكن قراري.
وذات يوم أصبت بمرض، يداهم الأطفال فقط اسمه (أبو دغيم) وعزلوني، عن أقراني... حتى المدرسة منعتني من الدوام، وقالوا: لا أحد يقترب منه.. وافتقدت قبلات جدتي وصبايا كن يجلسنني معهن، ويقمن بصنع جدولة من خصلات شعري .. ويعبثن به، وأنا كنت أرضى فقد أغرتني إحداهن.. بقطعة من الشوكلاته.. لم يكن هذا العزل قراري.
لم يكن قراري أن اصبح كاتبا، هي مجرد رسالة كتبتها ذات يوم إلى ليلى، ووشى بي أحد طلبة السادس (ب) وقرأها المدير.. وأعجب جدا بما كتبت، لكنه صفعني وقال لي: (واحد سرسري)... ثم ضحك وأخذ الرسالة مني، وجعل الأساتذة يقرأونها وأنا كنت أظن أنه يريد فضح حبي، ولكنه فيما بعد أخبرني عن مدى إعجابه... بقدراتي، فنادى أساتذتي كي يقرأوا عشقى المنثور سطرا يتلوه سطر... على ورق الكلام.
لم يكن قراري.. أن ادخل الجامعة الأردنية، هي مجرد صدفة سقطت عين شقيقي بالصدفة على اسمي في سجل القبولات... وطلبت مني امي أن اتأكد مرة أخرى.. لم يكن قراري أبدا.
لم يكن قراري أن أكون مجنونا، ربما هي الأيام .. ربما هي السنوات ربما هي الشوارع والجدائل وبقايا أحمر الشفاه على الفناجين وتمرد الكحل في العيون .. ربما كل هذه الأشياء هي من قرر جنوني، علما بأني لم أقرر..
لم يكن قراري... منذ متى أصلا كان لي قرار... أنا لم أقرر هي الأيام التي اتخذت عني كل القرارات..
في هذا الوطن.. تتمنى لو أنك تملك نصف قرارك فقط، ولا تملك فهنالك من يقرر عنك.
Hadi.ejjbed@hotmail.com
الرأي