منذ فجر التاريخ والحروب جزء لا يتجزّأ من ذاكرة البشرية، فلا يمر عام دون بداية حرب أو نهايتها، استغرقت بعض هذه الحروب أعواماً عديدة، وكانت لها آثارها البالغة على السياسة وجغرافيا العالم، والبعض الآخر منها لم يستمر سوى أيام أو ساعات؛ لذلك نستعرض معاً تفاصيل شيّقة تخص أقصر الحروب في التاريخ ونتائجها.
تعد الحرب الإنكليزية الزنجبارية التي وقعت في 27 أغسطس/ آب 1896 أقصر حرب في التاريخ؛ إذ استمرت لـ38 دقيقة، وتعود جذورها إلى توقيع معاهدة هيلغولاند زنجبار بين بريطانيا وألمانيا عام 1890 م، إذ بموجب هذه المعاهدة وزعت مناطق النفوذ بين القوى الإمبريالية في شرق إفريقيا، ففرضت بريطانيا نفوذها على زنجبار، بينما مُنحت ألمانيا السيطرة على البر الرئيسي لتنزانيا.
أعلنت بريطانيا بعد دخول المعاهدة حيز التنفيذ أن زنجبار محمية تابعة للإمبراطورية البريطانية، وانتقلت إلى هناك لتنصيب سلطان يكون دوره صورياً، ووقع اختيارهم على السلطان حمد بن ثويني، الذي كان من مؤيدي الوجود البريطاني في المنطقة، وتسلّم السلطان الجديد منصبه عام 1893 م وظل في الحكم أكثر من ثلاث سنوات حتى توفّي فجأة في قصره يوم 25 أغسطس/آب 1896 م، وعلى الرغم من أن أسباب وفاته غير معروفة، فإن الشبهات تحوم حول تورط ابن عمه خالد بن برغش في تسميمه، وتزداد قوة هذا الاحتمال إذا ما علمنا أن «بن برغش» انتقل إلى القصر فوراً وتولّى منصب السلطان دون موافقة بريطانية.
بالطبع لم يرضَ الدبلوماسيون البريطانيون عن هذا التحول؛ لذلك سرعان ما أعلنوا أن على السلطان الجديد التنحّي، لكنه تجاهل تحذيراتهم وبدأ في جمع قواته حول القصر، بنهاية اليوم الذي توفي فيه السلطان «بن ثويني» كان «بن برغش» قد جمع ما يقرب من ثلاثة آلاف رجل بحوزتهم العديد من المدافع
وصل الإنذار الأخير إلى السلطان خالد في 26 أغسطس/آب بمطالبته مغادرة القصر بحلول التاسعة من صباح اليوم التالي، لكنه لم يستجِب لذلك أُعطيت الأوامر للسفن البريطانية التي كانت تقف في المرفأ أمام القصر بالقصف بحلول الساعة التاسعة ودقيقتين، فدُمرت غالبة مدفعية «بن برغش»، وقيل إنه نجح في الهروب وترك خدامه ومقاتليه للدفاع عن القصر وحدهم، وبعد مرور 38 دقيقة، توقف القصف وانتهت الحرب الأقصر في التاريخ، والتي كان معدل ضحاياها مرتفعاً؛ إذ قُتل وجرح أكثر من 500 شخص من مقاتلي «بن برغش»، ويرجع ذلك إلى القذائف شديدة الانفجار التي أُلقيت على القصر، كما أصيب ضابط بريطاني بجروح بالغة، لكنه تعافى بعد ذلك في المستشفى.
نصبت بريطانيا سلطان حمود الموالي لها سلطاناً على عرش زنجار وحكم فترة ست سنوات، أما السلطان الهارب خالد بن برغش فتمكن من الفرار مع مجموعة صغيرة من أتباعه إلى القنصلية الألمانية التي رغم الدعوات المتكررة من بريطانيا لتسليمه، فإنها ساعدت في تهريبه لخارج البلاد، وذهب إلى تنزانيا، ولسوء حظه غزت القوات البريطانية شرق إفريقيا عام 1916 وألقت القبض عليه، ونفته إلى جزيرة سانت هيلانه، والتي ظل فيها إلى أن سُمح له بالعودة إلى شرق إفريقيا وتوفّي هناك عام 1927 م.
تُسمى هذه الحرب أيضاً الحرب العربية – الإسرائيلية الثالثة أو حرب الستة أيام، وهي حرب قصيرة وقعت في الفترة ما بين 5 و10 يونيو/حزيران عام 1967 م، وانتهت بانتصار إسرائيل واحتلالها شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة والضفة الغريبة والبلدة القديمة في القدس ومرتفعات الجولان، وأصبحت هذه المناطق نقطة خلاف رئيسية في الصراع العربي – الإسرائيلي.
قبل أن تنشب الحرب شُنت العديد من الهجمات على إسرائيل من جانب الجماعات الفلسطينية الفدائية المتواجدة في سوريا ولبنان والأردن، مما أدى لوقوع أعمال عدوانية من الجانب الإسرائيلي المحتل، ففي نوفمبر/تشرين الثاني عام 1966 م أدت ضربة إسرائيلية على الضفة الغربية إلى مقتل 18 شخصاً وإصابة 54 آخرين، وخلال معركة جوية مع سوريا في أبريل/نيسان 1967 م أسقط سلاح الجو الإسرائيلي ست طائرات مقاتلة من طراز ميغ، إلى جانب ذلك أشارت تقارير الاستخبارات السوفييتية في مايو/أيار من العام نفسه، إلى أن إسرائيل تخطط لشن حملة حربية على سوريا، وعلى الرغم من عدم دقة المعلومات، فإنها زادت من حدة التوتر بين الكيان الإسرائيلي والدول العربية المجاورة.
في الوقت نفسه كان الرئيس المصري جمال عبدالناصر يتعرض لاتهامات؛ لعدم دعمه سوريا والأردن في حربهما ضد إسرائيل، كما اُتهم بالاختباء وراء قوة الطوارئ التابعة للأمم المتحدة المتمركزة على الحدود المصرية مع إسرائيل في سيناء؛ لذلك أراد «عبدالناصر» أن ينفي هذه الاتهامات عنه فقام بتعبئة القوات المصرية في سيناء يوم 14 مايو/أيار 1967، وفي 18 مايو/أيار طلب إزالة قوات الطوارئ المتمركزة هناك، والتي انسحبت في اليوم التالي، ثم في يوم 22 مايو/أيار أغلق مضيق تيران أمام السفن الإسرائيلية، مما أدى لفرض حصار فعلي على مدينة إيلات الواقعة جنوب إسرائيل، ولاحقاً وصل الملك حسين من الأردن إلى القاهرة يوم 30 مايو/أيار لتوقيع اتفاقية دفاع متبادل مع مصر، وضع بموجبها القوات الأردنية تحت القيادة المصرية، وانضم العراق إلى هذه الاتفاقية
ردت إسرائيل على هذه التعبئة في وقت مبكر من صباح الخامس من يونيو/حزيران بشنها هجوماً جوياً استباقياً مفاجئاً دمر أكثر من 90% من سلاح الجو المصري على مدرج المطار، كما شنت هجوماً مماثلاً على القوات الجوية السورية، وفي غضون ثلاثة أيام احتل الإسرائيليون قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء حتى الضفة الشرقية لقناة السويس.
وأدى ذلك إلى قصف القوات الأردنية مدينة القدس، إلا أنه في 7 يونيو/حزيران نجحت القوات الإسرائيلية في اجتياح الضفة الغربية واحتلال البلدة القديمة في القدس، ونتج عن هذا الوضع المشتعل دعوة مجلس الأمن الدولي إلى وقف إطلاق النار، وهو ما قبلت به إسرائيل والأردن فوراً، وتبعتهما مصر في اليوم التالي، أما سوريا فصمدت، مما أدى إلى شن إسرائيل هجوماً عنيفاً على هضبة الجولان يوم 9 يونيو/حزيران واستولت عليها بعد يوم من القتال، فقبلت سوريا وقف إطلاق النار يوم 10 يونيو/حزيران عام 1967 م.
كانت خسائر الدول العربية في هذه الحرب كارثية، فقد بلغ عدد الضحايا في مصر أكثر من 11 ألف جندي، وستة آلاف في الأردن وألف في سوريا، مقارنة مع 700 جندي فقط في إسرائيل، كما كانت الخسائر فادحة في أسلحة ومعدات الجيوش العربية، وعلى أثر هذه الهزيمة أعلن الرئيس المصري الأسبق جمال عبدالناصر استقالته، لكنه سرعان ما تراجع بعد انطلاق مظاهرات جماهيرية دعته للبقاء في منصبه.
لم تستمر هذه الحرب التي يُطلق عليها الحرب الخاطفة سوى 13 يوماً، وكانت من نتائجها فصل باكستان الشرقية عن باكستان الغربية، وقيام ما يُعرف اليوم بجمهورية بنغلاديش، وقد سبق اشتعال الحرب تصعيد سياسي صحبته عمليات عسكرية محدودة على الحدود استمرت ثمانية أشهر، قبل أن تتأزم الأمور يوم 23 نوفمبر/تشرين الثاني 1971 م عندما أعلن الرئيس الباكستاني يحيى خان حالة الطوارئ بعد وقوع هجوم هندي على حدود بلاده، وفي الأول من ديسمبر/كانون الأول قطعت الهند بمساعدة فدائيي بنغلاديش خطوط القطار بين العاصمة داكا وخولنا وشيتا كونغ، وهما الميناءان الرئيسيان على خليج البنغال وكوميلا قرب الحدود الشرقية.
شنت القوات الهندية الجوية في اليوم التالي ضربات مركزة استهدفت مطارات وطائرات باكستان، واستمر القصف طوال يومي 2 و3 ديسمبر/كانون الأول، وأدى لتدمير معظم الطائرات الباكستانية، وبالتالي فرضت الهند سيطرتها الجوية في سماء باكستان الشرقية.
توالت الخسائر الباكستانية بعد ذلك ففي يوم 5 ديسمبر/كانون الأول نجحت مجموعة قتال بحرية هندية في إغراق المدمرتين الباكستانيتين خيبر وشاه جيهان، وتعطيل سفينتين أخريين وذلك في معركة بحرية وقعت على بُعد عشرين ميلاً من كراتشي، كما أُغرقت غواصة باكستانية كان على متنها ثمانية بحارة في خليج البنغال.
بذلك صارت الأمور تسير في سياق سيطرة الهند على المشهد كاملاً، ففي يوم 6 ديسمبر/كانون الأول 1971 ضربت الهند بلدة «جيسور» بهدف التمهيد لانتقال حكومة بنغلاديش إليها من منفاها في كلكتا، وانقسم إقليم شيتا كونغ في الشرق إلى شطرين، وكانت النهاية المتوقعة لهذا اليوم أن الجنرال نيازي قائد القوات الباكستانية الشرقية، أمر قواته بالانسحاب الاستراتيجي العام، ومن ناحية أخرى، حاول مجلس الأمن استصدار قرار يدعو الهند وباكستان إلى وقف إطلاق النار، وانسحاب القوات المسلحة لكل منهما من أراضي الطرف الآخر، إلا أن الاتحاد السوفييتي منع صدور القرار بعد استعماله حق «الفيتو»، وذلك بعدما رفض المجلس مشروع قرار للاتحاد السوفييتي لدعوة باكستان لوقف أعمال العنف في باكستان الشرقية.
أخذت الأمور منحى آخر بإحالة القضية يوم 8 ديسمبر/كانون الأول إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ إذ هناك لا تتمتع أي دولة بحق النقض، فأصدرت الجمعية قراراً بعد 24 ساعة بفرض وقف إطلاق النار على الهند وباكستان وسحب القوات العسكرية من الأراضي التي احتلتها كل منهما، ولكن القرار لم يُنفذ، واستمرت الحرب الهندية – الباكستانية.
ظلت القوات الهندية تستغل قوتها ففي يوم 10 ديسمبر/كانون الأول اتخذت القوات الباكستانية المنسحبة مواقعها حول داكا، فبادرتها القوات الجوية الهندية بالقصف الشديد، مما أدى لاستسلام ألفي جندي وضابط باكستاني، وهنا صار ضرورياً تدخل طرف ثالث لإنهاء هذا الوضع الجنوني، وبالفعل وصلت طلائع الأسطول السابع الأميركي يوم 14 ديسمبر/كانون الأول إلى خليج البنغال، تتقدمها حاملة الطائرات الذرية «إنتربرايز»، لكن حدث ذلك بعد فوات الأوان، إذ أعلنت أنديرا غاندي، رئيسة وزراء الهند، أن مدينة داكا مدينة حرة في وطن حر.
أدى ذلك إلى توقيع قائد القوات الباكستانية الجنرال نيازي وثائق الاستسلام في هذه المدينة يوم 16 ديسمبر/كانون الأول، وتسلمها منه الجنرال أورورا، قائد القوات الهندية، وانتهت الحرب التي استمرت 13 يوماً، بعدما فقدت باكستان جزأها الشرقي، ونتيجة لذلك لم ينجح الرئيس الباكستاني يحيى خان في مواجهة الغضب الشعبي، فاستقال من منصبه في 20 ديسمبر/كانون الأول 1971 م؛ ليأتي من بعده الزعيم الباكستاني ذو الفقار علي بوتو.
بعد توقيع معاهدة برلين في يونيو/حزيران عام 1878 م رأت كل من صربيا وبلغاريا أنهما كان يجب أن يمُنحا أراضي أكثر اتساعاً على حساب الدولة العثمانية، فبموجب هذه المعاهدة فُصلت شرق روميليا عن الدولة البلغارية التي أُنشئت بموجب معاهد سان ستيفانو في مارس/آذار 1787 وأُعيدت إلى الدولة العثمانية، لكن في 18 سبتمبر/أيلول عام 1885 شن القوميون البلغاريون في روميليا الشرقية انقلاباً، وأعادوا ضم المقاطعة إلى بلغاريا.
تعارض هذا التغيير مع المصالح الصربية، فقد طالب الملك ميلان أوبرنوفيتش الرابع بأن تتنازل بلغاريا عن بعض أراضيها إلى صربيا، وعلى الرغم من الجهود الدبلوماسية لإثنائه، إلا أنه أعلن الحرب على بلغاريا في 14 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1885 م، وعلى عكس المتوقع فقد فاز ألكسندر الأول البلغاري في معركة حاسمة وقعت في بلدة سليفنيتسا من 17 إلى 19 نوفمبر/تشرين الثاني، إلا أنه اضطر لقبول الهدنة عندما هددت الإمبراطورية النمساوية المجرية يوم 28 نوفمبر/تشرين الثاني بأنها ستدخل الحرب للدفاع عن صربيا.
نتج عن الحرب وقوع ضحايا من الطرفين، بلغ عددهم في الجانب الصربي 550 جندياً، في حين فقدت صربيا ما يتراوح من 700 إلى 800 جندي، ومن أهم نتائج الحرب البلغارية – الصربية توقيع اتفاق السلام النهائي بين صربيا وبلغاريا في بوخارست يوم 19 فبراير/شباط 1886 م، والذي بموجبه اعترفت القوى الأوروبية بتوحيد بلغاريا الذي حدث يوم 18 سبتمبر/أيلول عام 1885 م.