يكاد أن يكون هناك سائح مرَّ بسوريا ولم يأكل من «بوظة بكداش»، التي يعود عمرها إلى عام 1885، عندما قام محمد حمدي بكداش بافتتاح محله وسط سوق الحميدية المقبب الواقع فوق الخندق الجنوبي لقلعة دمشق بين باب النصر وباب البريد، والذي لا يبعد أيضاً عن الجامع الأموي الشهير سوى عدة أمتار.
لكن ماذا لو عرفت أن هذا المحل التاريخي مهدد بالاندثار بعد أن تم إغلاقه للمرة الثانية على التوالي بقرار من محافظ دمشق؟
على ما يبدو أن المعضلة ليست في إغلاق المحل فقط، بل في أسباب ذلك، والتي أرجعتها الحكومة السورية إلى مخالفة الشروط الصحية والنظافة، وهو ما قد يودي بسمعة تلك البوظة التي شكلت أحد معالم التراث الدمشقي.
محافظة دمشق أصدرت قراراً موقعاً من المحافظ بشر الصبان، يأمر بإغلاق محل «بوظة بكداش» لمدة 3 أيام، إضافة إلى دفع غرامة قدرها 5 آلاف ليرة سورية، وقالت إن السبب «وجود الحشرات في مستودع المواد الغذائية وقذارة خلف آلات التصنيع»، على أن يعتبر هذا القرار إنذاراً لاتخاذ الإجراء الأشد في حال تكرار الأمر
ويأتي هذا القرار بعد عام على اتخاذ قرار مشابه، أغلق فيه المحل لمدة 10 أيام بسبب وجود مخالفات صحية، ومن بينها «خلط الفستق الحلبي بفستق العبيد، واستخدام حليب البودرة المجفف بدلاً من الحليب العادي».
وأوضح مصدر خاص من دمشق لـ»عربي بوست» أن هناك رغبة إيرانية بشراء كافة المحال التجارية في سوق الحميدية، مرجعاً السبب إلى المكانة التي تحظى بها بعض الأماكن الدينية لدى الشيعة في إيران، إضافة إلى كون المعالم الأثرية لها قدرة على التأثير بشكل كبير في السكان المحليين أيضاً، مما قد يجر العديد منهم إلى التشيع في المستقبل.
وأضاف المصدر أن طهران «مهتمة بتكريس وجودها في سوريا من بوابة أخرى غير التدخل العسكري»، معتبراً أن التغلغل الاجتماعي يضمن لها بقاء طويل الأمد، على حد تعبيره.
وأكد المصدر الخاص من دمشق أن صاحب محل «بوظة بكداش» موفق محمد بكداش، رفض بيع محله، وأصر على الاستمرار في العمل به، حتى بعد إغلاقه المرة الأولى، وفرض ضرائب عالية عليه
وأضاف أن هناك «دوريات يومية من الاستعلام الضريبي والإنفاق الاستهلاكي تداهم بكداش وباقي التجار الرافضين لعملية البيع»، مشيراً إلى أن تلك الدوريات تفرض ضرائب باهظة تصل إلى مليوني ليرة سورية (أربعة آلاف دولار) لدفعهم إلى بيع محالهم.
ونوّه المصدر إلى أن هناك عدداً من تجار دمشق أعلنوا إفلاسهم واضطروا للبيع، لافتاً إلى أن بكداش يرفض البيع، ولا يزال محله يستقبل عدداً كبيراً من الزبائن على الرغم من المحاولات المتكررة لتشويه سمعته.
بعد عام 2011، حصلت أحداث كثيرة نتيجة الحرب الدائرة في سوريا، مما انعكس سلباً على الحياة الاقتصادية والاجتماعية، مما أدى إلى إغلاق العديد من المشاريع التجارية، ونزوح ولجوء الملايين إلى الخارج، إضافة إلى تدمير معالم أثرية وتاريخية عديدة، وهو ما اعتبره مراقبون أنه غير معالم المدينة، إضافة إلى المحاولات الإيرانية للتغلغل داخل المجتمع السوري.
ونشر ناشطون على الشبكات الاجتماعية صوراً وشرائط مسجلة تظهر شيعة إيرانيين داخل الجامع الأموي وسوق الحميدية وهم يمارسون طقوسهم الدينية في وضح النهار، وهو الأمر الذي لم يكن يحدث في دمشق سابقاً.
ونشرت صفحات في وسائل التواصل الاجتماعي شريطاً مسجلاً من محل بكداش بعد إغلاقه المرة الأولى وكان مكتظاً بالزبائن، وقال أحد المعلقين إن فقدان مثل هذا المحل هو خسارة لكل سوريا. وأضاف: «من واجبنا المحافظة عليه».
فيما علق آخر قائلاً: إن «باقي الدول تقدم كل التسهيلات للمحلات التاريخية وتهتم بها من أجل ضمان استمرارها والافتخار بها.. لكن في سوريا يحدث العكس، وأشار إلى أنها (بوظة بكداش) أكبر عمراً من معظم شركات الشوكولا في العالم.. شوكولا تويكس مثلاً، وتساءل لماذا يريدون تشويه سمعة بكداش يا ترى؟