مرت الكعبة المشرفة منذ ظهور الإسلام بالعديد من الأحداث الجسام، ورغم أنها لم تكن بؤرة الصراع يوماً، إلا أنها أُقحمت فيه نظراً لقدسيتها لدى جميع المسلمين من جميع الطوائف. لذلك نستعرض في السطور القادمة بعض الأحداث السياسية التي ارتبطت بالكعبة.
أعلن الصحابي عبد الله بن الزبير معارضته لتولي يزيد بن معاوية الخلافة بعد أبيه، لما في هذا من تحويل للخلافة من نظام الشورى إلى النظام الملكي، ورفض ابن الزبير أن يقدم البيعة لابن معاوية، وهاجر من المدينة إلى مكة طلباً للنصرة وللاحتماء بـ»البيت العتيق».
استفحلت حركة ابن الزبير بعدما اجتمع الناس حوله من كل حدب وصوب، فأرسل يزيد جيشاً بقيادة الحصين بن نمير للقضاء على حركته، وتحصن ابن الزبير وأنصاره بالكعبة، فحاصرهم الحصين بجيشه وقذف الكعبة بالمنجنيق وتهدمت أجزاء منها، وامتدت إليها ألسنة من اللهب فأحرقت أجزاء أخرى، حسبما ذكر الدكتور علي حسن الخربوطلي في كتابه «الكعبة على مر العصور«.
تمسك عبدالله بن الزبير بالتحصن بالكعبة ولم يستطع بن نمير أن يقتحمها، واستمر الحال هكذا حتى جاءت الأخبار بموت يزيد بن معاوية، فرحل الحصين بجيشه عائداً إلى بلاد الشام تاركاً الكعبة وقد تهدمت أجزاء كبيرة منها، فهدم ابن الزبير ما تبقى وأعاد بناءها.
استغل ابن الزبير موت يزيد ونادى لنفسه بالخلافة ودانت له مصر والعراق، أما أهل الشام فقد أعلنوا ولاءهم لبني أمية، ونجح الخليفة الأموي مروان بن الحكم في انتزاع مصر من ولاة ابن الزبير، ثم نجح ابنه عبد الملك في الاستيلاء على العراق وقتل مصعب بن الزبير. ثم بعث قائده المشهور الحجاج بن يوسف الثقفي على رأس جيش كبير للقضاء على ابن الزبير في بلاد الحجاز.
حاصر الحجاج مكة في شهر ذي القعدة من سنة 72 هـ/ 692 م ثم بدأ يقذف مكة والكعبة بالمنجنيق، وتخاذل بعض من أنصار ابن الزبير عن نصرته واستسلم كثير منهم للحجاج، فضعف واضطر هو ومن تبقى معه من الرجال إلى الاحتماء بالبيت العتيق، فاستمر الحجاج في ضرب الكعبة بالأحجار مما أدى لتهدم أجزاء منها، وأحكم الحصار على محيطها ثم هجم على ابن الزبير فقتله.
هدم الحجاج بن يوسف الكعبة -رغم أنها لم يمسسها ضرر كبير وكان يكفي ترميمها-، بأمر من الخليفة عبد الملك بن مروان، ثم أعاد بناءها مرة أخرى على شكلها الذي كانت عليه قبل أن يعيد ابن الزبير بناءها.
قام القرامطة وهم فرقة من الشيعة الإسماعيلية كانت لهم دولة في القرن الرابع الهجري شرق شبه الجزيرة العربية برئاسة أبو طاهر سليمان الجنابي، باقتحام مكة يوم التروية سنة 317 هـ/930 م.
استباحوا دماء الحجاج وأموالهم فقتلوا كثيرين في رحاب مكة وشعابها، بل وحتى في المسجد الحرام وجوف الكعبة.
وأمر أبو طاهر بدفن القتلى في بئر زمزم والمسجد الحرام ثم هدم قبة زمزم، بالإضافة لقلع باب الكعبة ونزع كسوتها عنها، ثم أمر بقلع الحجر الأسود فأخذوه معهم إلى عاصمتهم الإحساء، غير آبهين بصيحات الاستنكار التي وردت إليهم من كل ديار الإسلام، أو بعروض شرائه التي قيل أن أحدها بلغ 50 ألف دينار، ولم يردوه سوى بعد 22 سنة (339 هـ/ 950 م).
كانت دار الخلافة في بغداد في تلك الفترة تعوج بالفتن والمؤامرات والضعف ينخر جنباتها، ففي العام الذي اقتحم فيه القرامطة مكة وأعملوا فيها السلب والنهب، خُلِع الخليفة العباسي المقتدر بالله من منصبه، وتولى الخليفة القاهر بالله محمد بن المعتضد الخلافة ليومين، ثم خُلِع وأُعيد تنصيب المقتدر بالله مرة أخرى، وفقاً لما ذكره ابن كثير في الجزء الـ 15 من كتابه «البداية والنهاية«.
ما فعله القرامطة كان له بُعد سياسي فهذا الفعل جاء في إطار صراعهم مع العباسيين، إذ أرادوا أن يُظهروهم بمظهر العاجزين عن حماية مقدسات المسلمين، وأن يعلنوا سيطرتهم على شبه الجزيرة العربية، كما ظنوا أن بانتزاعهم للحجر الأسود من مكة فإنهم ينزعون قدسيتها من قلوب المسلمين.
اقتحم جهيمان العتيبي ومعه نحو 200 شخص من أتباعه، فجر يوم 20 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1979م المسجد الحرام وسيطروا عليه بقوة السلاح.
ثم أعلن «العتيبي» أمام المصلين أن محمد عبد الله القحطاني هو المهدي المنتظر، وطلب من المتواجدين في المسجد مبايعة «القحطاني» باعتباره المهدي الواجب اتباعه، كما أعلن قيام إعلان قيام خلافة إسلامية جديدة لتصحيح أمور المسلمين.
كان جهيمان وأنصاره قد نجحوا في إدخال عشرات الأسلحة الآلية دون أن يلفتوا انتباه رجال الأمن، عندما وضعوها في نعوش وأتوا بها بحجة الصلاة على أرواح أصحابها، ثم لما حانت اللحظة خرجت الأسلحة من النعوش، وسيطر المسلحون على المسجد وبه نحو 100 ألف شخص.
حاولت السلطات السعودية السيطرة على الأمر لكنها فوجئت بصلابة المقاومة من جانب «العتيبي» ورجاله، وقتل وأصيب نحو 600 عناصر الأمن السعودية خلال هذه المحاولات الفاشلة.
مما استدعى طلب السلطات السعودية من فرنسا العون لإنهاء الموقف الذي سبب حرجاً كبيراً للمملكة على المستوى الدولي. ووافق الرئيس الفرنسي جيسكار ديستان على المساعدة، وأرسل وحدة التدخل في الدرك الوطني (GiGN) للتعامل مع الموقف.
نجحت القوات الفرنسية في إجبار جهيمان وأتباعه على الاستسلام، بعدما عملوا على استنفاذ مؤنهم وذخيرتهم، ثم ضخوا كميات كبيرة من الغاز في الأماكن التي تحصنوا بها في قبو المسجد الحرام.
كانت المحصلة النهائية مقتل «المهدي» محمد عبد الله القحطاني و117 مسلحاً، خلال محاولات اقتحام المسجد، بينما أعدمت السلطات السعودية العتيبي وعدداً من أتباعه في يناير/كانون الثاني 1980.
احتشد المئات من الحجاج الإيرانيين يوم 6 ذي الحجة 1407 هـ/ 31 يوليو 1987م، بعد صلاة الجمعة في الشوارع القريبة من المسجد الحرام، وانطلقوا في مظاهرة سياسية مرددين «الموت لأميركا.. الموت للاتحاد السوفيتي.. الموت لإسرائيل».
حملوا صور زعيم الثورة الإيرانية آية الله الخميني، وكانت المظاهرة استجابة لدعوة أطلقها الممثل الشخصي للخميني في مكة المكرمة حجة الإسلام مهدي خروبي، من أجل المساعدة في نشر العقيدة الشيعية
وقعت اشتباكات دموية بين المتظاهرين الإيرانيين من ناحية، وقوات الأمن السعودية وعدد من المواطنين السعوديين من ناحية أخرى. وسقط خلال الاشتباكات التي استمرت طوال ساعات النهار، 402 قتيل بينهم 275 إيرانياً، و85 مواطناً ورجل أمن سعودي، و42 من بقية الحجاج.
أما المصابون فبلغ عددهم 649 جريحاً، بحسب المصادر السعودية، فيما ذكرت وكالة الأنباء الإيرانية أن هناك 200 إيراني قُتلوا وجُرح أكثر من ألفي شخص.
واتهمت السلطات الإيرانية الشرطة السعودية بمهاجمة مسيرة سلمية بالأسلحة الآلية والغاز المسيل للدموع، فيما أكدت الحكومة السعودية أن الشرطة لم تُطلق رصاصة واحدة، والتزمت بأقصى درجات ضبط النفس، وأن الوفيات والإصابات ناتجة عن التدافع والتراشق.
ووقعت على إثر هذا الحادث مظاهرات غاضبة في إيران جرى فيها مهاجمة السفارتين السعودية والكويتية، وحطم المتظاهرون الأثاث، وألقوا صوراً للملك فهد من على سطح السفارة السعودية وحطموا مكيفات الهواء، كما أشعل الغاضبون النار في الوثائق التي عثروا عليها في السفارة الكويتية.
وقع حادث تدافع دام في منطقة منى خلال موسم حج 2015، ما أدى إلى سقوط 769 قتيلاً و934 جريحاً، بحسب المصادر الرسمية السعودية، فيما أحصت وكالة فرانس برس للأنباء مقتل 1221 حاجاً في الحادث، من واقع بيانات 28 دولة.
استغلت إيران التي حمل أكثر من ثلث القتلى (464 شخصاً) جنسيتها الحادث سياسياً، إذ هدد المدعي العام الإيراني سيد رايزي باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، للمطالبة بمحاكمة العائلة الملكية السعودية لما ارتكبته من جرائم، وذلك عبر قنوات التقاضي الدولية.
وطالب الرئيس الإيراني حسن روحاني من على منصة الأمم المتحدة، بإجراء تحقيق في الحادث، ودعا رجل الدين البارز آية الله محمد إمام كاشاني إلى إسناد مهمة تنظيم الحج إلى منظمة التعاون الإسلامي، بينما انتقد محمد علي شاهيننائب رئيس حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم في تركيا تنظيم السعودية للحج، قائلاً إن بلاده يمكن أن تنظم الحج بشكل أفضل داعياً إلى تكليف تركيا بإدارة الحج.