نشر "المحفل الماسوني" في بريطانيا إعلانا على صفحة كاملة في عدة صحف قومية طالب فيه بإنهاء ما وصفه بـ"التمييز" ضد أعضائه.
وتناولت وسائل الاعلام مؤخرا ما وصفته بالنفوذ الماسونية بين أفراد الشرطة وأعضاء البرلمان في بريطانيا.
الماسونية تعرف نفسها بأنها "حركة أخوية عالمية أهدافها المساعدة المتبادلة والصداقة وخير الناس".
ولطالما كانت الماسونية محط عداء الكنيسة، ولا سيما الكاثوليكية، وحتى النازية، ونظر إليها الناس بعين الارتياب والخوف.
وما زال العداء لها ماثلا بين المسيحيين المتزمتين رغم أن البابا الراحل "يوحنا بولس الثاني" رفع في 27 أكتوبر/تشرين الثاني 1983 الحرم الكنسي المفروض على جميع الماسونيين منذ عهد البابا "كليمنت الثاني عشر" عام
وكثيرا ما اتهمها أعداؤها بأنها تعمل على نشر الليبرالية والعلمانية، مرورا بالتعاليم الشيطانية، بل وحتى التمهيد لظهور المسيح الدجال والقضاء على الأديان، بطرق سرية وخبيثة تعتمد التضليل والخداع بهدف السيطرة المزعومة على العالم، كما يورد الباحث "نيك هاردينغ" في كتابه "الجمعيات السرية"، والكاتب الماسوني "جون مايكل غرير" في كتابه:"الموسوعة الأساسية للجمعيات السرية والتاريخ الخفي".
وتقول بعض المصادر الماسونية، مثل كتاب "الماسونيون الأحرار: الكتاب المصور لأخوة قديمة" لمؤلفه "مايكل جونستون"، إن هناك أساطير ماسونية ترجع نشأة الحركة إلى ما قبل طوفان نوح بل حتى ترجعها إلى عهد النبي ابراهيم والنبي سليمان.
لكن السائد كما عند معظم الباحثين أن أصول الماسونية ترجع إلى القرون الوسطى مع ازدهار حقبة الطلب على البنائين لبناء القلاع والكاتدرائيات الكبرى.
ومن الروايات الشائعة عن نشأة الماسونية، كما يورد الكاتب الماسوني "بات مورغان" في كتابه "أسرار الماسونيين الأحرار"، والكاتبان الماسونيان "جون هاميل" و"روبرت غيلبرت" في كتابهما الموسوعي "الحركة الماسونية: احتفال بالصنعة"، وغيرهم، أنها امتداد لتنظيم عسكري "منقرض" كان يعرف باسم "فرسان الهيكل" ظهر في نهاية الحملة الصليبية الأولى (1095-1099) على المشرق العربي.
درجات في السلم
وتقول مصادر مطلعة إن الماسونية أساسا لها ثلاث أفرع أساسية أولها يسمى "المحفل الأزرق"، وهو مكون من ثلاث درجات، وتبدأ بدرجة "تلميذ الصنعة المستجد" ثم تليها "زميل الصنعة" ثم تليها "البناء المعلم".
أما الفرع الثاني، وهو الأعلى، فهو "الطقس اليوركي" وهو مكون من 10 درجات، ثم "الطقس الاسكوتلندي" الذي يصل حتى الدرجة 32. أما أعلى درجات الماسونية (معروفة للعلن) فهي الدرجة 33.
والانضمام للماسونية ليس حكرا على أبناء دين معين، بل يمكن أن ينضم إليها أي شخص ومن أي دين.
ولطالما ارتبطت الماسونية بالرموز، والإشارات، وهي كثيرة، مثل الفرجار والزاوية اللذان يمثلان "الطبيعة الأخوية" للماسونية.
وغالبا ما يشاهد داخل الفرجار والزاوية رمز آخر هو النجمة أو القمر أو الشمس(تمثل الحقيقة والمعرفة) أو العين أو الحرف اللاتيني G.
أما الحرف G فيقال إنه يمثل أول حرف من كلمة God أي الله، فالماسونيون "ملزمون" بالإيمان بوجود كائن أسمى يسمونه "مهندس الكون الأعظم" وإن كانوا لا يطلقون عليه اسم الله.
أما العين داخل الفرجار و الزاوية فتسمى "العين التي ترى كل شيء"، ويقول الماسونيون إنها تشير إلى الاعتقاد بـ"أن الله يستطيع أن يسبر ببصره أغوار قلوب وأنفس الناس".
لكن بالمقابل يقول أعداء الماسونية إن "العين" ليست عين "الله"( أو المهندس الأعظم الماسوني)، بل هي في الواقع ليست إلا "عين الشيطان" التي يسعون من خلال نشاطاتهم للسيطرة على العالم جعلها" ترى كل شيء تحت سيطرتهم".
فحسب كتاب "شرح الرموز الماسونية" لمؤلفته "د. كاثي بيرنز" تقول "إن الحرف G يمثل كوكب الزهرة( كوكب الصباح)، وكوكب الزهرة يمثل العضو الذكري عند الرجل، وهو أيضا أحد أسماء الشيطان" وهو يمثل عند الماسونيين الإله "بافوميت"( الإله الشيطاني الذي اتهم فرسان الهيكل بعبادته في السر،وهو يجسد الابليس "لوسيفير").
ويضيف أعداء الماسونية، كما يقول الكاتب "مايكل بينسون" في كتابه "داخل الجمعيات السرية" "أن رمز العين التي تظهر في قمة مثلث على الختم الأعظم للولايات المتحدة وعلى فئة الدولار الواحد الورقي، والكلمات المكتوبة تدلل على سيطرة الماسونيين على الولايات المتحدة وعلى رغبتهم في السيطرة على العالم باعتبار أن من صمم الختم ووضع الرسم والكلمات له خلفية ماسونية.
بيد أن الماسونيين ينفون أن يكونوا هم وراء وضع الختم الأعظم للولايات المتحدة وصورة الدولار، ويقولون إن الشبه بين التصميم رموزهم ليس سوى "صدفة"، وإن مصممه لم يكن ماسونيا.
ويجاهر أعداء الماسونية باتهامها بأن شعاراتها مثل Novus Ordo Seclorum ) New Secular Order) ( وتعني النظام العلماني الجديد)، و Odru ab Chao ( (وتعني: النظام من داخل الفوضى) ( وهو نفس الشعار الذي يتبناه "المحافظون الجدد" الذين بات لهم نفوذ سياسي متعاظم في الولايات المتحدة حاليا) لها مدلولاتها، كما يقول "مايكل بينسون" في كتابه "داخل الجمعيات السرية"، حيث يمكن تفسير الشعار الأخير مثلا على أن الماسونيين "يغتنمون الفرص من الفوضى لأنه من السهل استغلال حاجة البشر للنظام".
ومما يلفت الانتباه لما تعلنه الحركة الماسونية (على الأقل في بريطانيا) أن الماسونيين يحظرون على أنفسهم الحديث عن السياسة والدين.
وهناك العديد من الشخصيات السياسية والدينية في التاريخ البريطاني مثلا كانت في صفوف الماسونية، وأبرزها رئيس الوزراء البريطاني الأسبق "وينستون تشرشل"، ورئيس الكنيسة الأنغليكانية الراحل "جيفري فيشر" الذي توج الملكة إليزابيث الثانية.
وفي القرن التاسع عشر أدرك جمال الدين الأفغاني دور التنظيم وأهميته في حركة التغيير، وكانت الحركة الماسونية حينئذ ذات سمعة حسنة، فهي ترفع شعار الثورة الفرنسية "حرية إخاء مساواة" وتسعى لفصل السلطة السياسية عن السلطة الدينية، كما كانت تضم صفوة المجتمع، بصرف النظر عن الجنس والدين مما جعله ينضم للمحفل، ولكنه عندما دعا قيادات المحفل لتطبيق شعاراته قالوا إن الماسونية لا دخل لها بالسياسة، فقاد الأفغاني التمرد ضد المحفل الغربي، وتسبب بحدوث انشقاق داخل المحفل الماسوني بمصر.
وخرج الأفغاني وعدد من أنصاره من المحفل وأسس معهم محفلا ماسونياً شرقيا ارتبط بعلاقات مع المحفل الفرنسي، نظرا لمناوأة الفرنسيين لأطماع الإنجليز بمصر، وقسمه إلى شعب للدراسة والتشريع والتخطيط لمختلف أوجه الإصلاح في المجتمع. وفي هذه الشعب ثم في الحزب الوطني الحر، تكونت القيادات التي لمعت في مصر وقادت الثورة العرابية، ومنهم أحمد عرابي ومحمود سامي البارودي وعبد السلام ومحمد عبده وسليم نقاش وأديب إسحق وعبد الله النديم.