حكومات لا تقرأ!
بلال العبويني
يؤكد مختصون أن الحكومة لا تجري "دراسات أثر" استباقية قبل إجراء أي تعديل على أسعار السلع أو قبل التقدم بقوانين لها ارتباط بالضرائب وما إلى ذلك.
دراسات الأثر، مفيدة للتعرف على انعكاس القرارات الاقتصادية على الحياة اليومية للمواطنين وعلى واقع الأسواق والتجار والمستثمرين والصناعيين وخلاف ذلك، وهو ما من شانه ان يضع المؤشرات الحقيقية بين يدي الحكومة قبل مضيها قدما في ما هي عازمة عليه من قرارات اقتصادية.
في كل القرارات الاقتصادية المتعلقة بالأسعار والسلع، انعكس أثرها سلبا على المواطن، سواء أكان الانعكاس مباشرا أو غير مباشر، ذلك أن ما تعلق بالسلع والضرائب يرتبط بعضه ببعض ويؤثر بعضه على بعض.
فمثلا شمول دفع ضريبة الدخل للأسرة التي يتجاوز دخلها الشهري الألف دينار من شأنه أن يؤثر على القدرة الشرائية وبالتالي يؤدي إلى كساد في الأسواق وما إلى ذلك، وكذا الحال بالنسبة لزيادة ضريبة المبيعات على بعض السلع حيث سيؤدي ذلك إلى ارتفاع سعرها حكما ذلك أن التاجر لن يخفض من سعر السلعة ليقلل من هامش ربحه، لأنه بالأصل مكبل بالضرائب والمصاريف والتكاليف.
عندما تم الحديث أول مرة عن الضريبة، وأنه لا بد من تعديل قانونها، كان الطرح من زاوية معالجة مسألة التهرب الضريبي، واستحداث آليات تحصيل عصرية لا تُضيّع وقت المكلف بالدفع بالإضافة إلى تعديل مرتبط بتشديد العقوبة على المتهربين أو المتخلفين عن الدفع.
هذا أمر مطلوب، لكن أن يتفاجأ المواطن وإذ طال التعديل رفع ضريبة المبيعات على سلع جديدة فإنه مرفوض تماما لأن أثره السلبي سيكون كبيرا، ولا تساهم "شبكة الأمان الاجتماعي" في معالجة تداعياته، لأن المبلغ المرصود في الموازنة 171 مليون دينار هو بالمطلق غير كاف لتعويض المتضررين من التغير الذي طرأ عليهم نتيجة تعديل تعرفة الكهرباء والمحروقات وارتفاع السلع والضرائب على بعضها.
دراسة الأثر، مسألة في غاية الأهمية ومن شأنها أن تعطي الحكومة المؤشرات الحقيقية لأي قرار قد تتخذه قبل وقوع المحذور، وتحديدا في هذه الأوقات التي وصل فيها المواطن إلى مرحلة لا يستطيع معها تحمل المزيد من الأعباء.
فالحديث عن أن 70 أو 80 أو 90 في المائة من المواطنين لن تتأثر بارتفاع السلع أو تعديل أسعار المحروقات أو تخفيض حد الإعفاء من ضريبة الدخل وما إلى ذلك أثبتت فشلها، بل لم تكن أكثر من كذبة سرعان ما تكشفت حقيقتها أمام الناس عندما دفعوا من جيوبهم المتعبة ثمن تلك القرارات.
هل استدلت الحكومات على صدقية تلك النسب من دراسات حقيقية ومعمقة قبل اتخاذها قراراتها؟ ثمة شك كبير في ذلك والدليل أن المواطن دفع الفرق من جيبه كما أشرنا سابقا، فلو كانت الحكومات تقرأ السوق وحال المواطن الاقتصادي والاجتماعي لفكرت في بديل منطقي عن جيبه، لكن الحل دائما ما يكون باللجوء إلى الأسهل.