خلال جلسة نقاشية ضمن فعاليات الدورة الرابعة من مؤتمر الناشرين العرب
تونس-الانباط
في جلسة نقاشية أدارتها الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، مؤسس ورئيس جمعية الناشرين الإماراتيين، أقيمت ضمن فعاليات الدورة الرابعة من مؤتمر الناشرين العرب، التي استضافتها تونس العاصمة على مدار يومين، ناقش نخبة من الكتّاب والمهتمين بصناعة النشر، أثر الرقابة على المنتج الفكري للكاتب العربي.
وشارك في الجلسة التي حملت عنوان "الرقابة في العالم العربي: القيود على أشكال التعبير الثقافي وتأثيرها على الإبداع"، كلٌ من الكاتب التونسي الدكتور شكري المبخوت، الفائز بالجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) للعام 2015، عن روايته "الطلياني"، والكاتبة اللبنانية إيمان حميدان، صاحبة رواية "باء مثل بيروت"، والكاتب والشاعر المصري أحمد الشهاوي، وكريستن اينارسون، رئيس لجنة حرية النشر في اتحاد الناشرين الدوليين.
واستهلت الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي الجلسة بجملة من التساؤلات، كان أبرزها: إلى أي مدى يمكن أن تقف الرقابة حائلاً بين الإبداع وتحقيق الأهداف المنشودة من وراء الأعمال الأدبية؟ مستعرضة جانباً من تجربتها الشخصية في مجال صناعة الكتاب وإنتاج المعرفة في دولة الإمارات العربية المتحدة.
وقالت الشيخة بدور القاسمي: "الإبداع هو المحرك الرئيسي لتطور المجتمعات على مختلف الصعد وفي جميع المجالات، وتشجيع الابتكار يعني إثراء المعرفة وتنشيط الاقتصاد في آن واحد، حيث لم يعد خيارا وإنما ضرورة ملحة للحكومات والمجتمعات الساعية لتحسين موقعها على خريطة العالم الاقتصادية وتعزيز قدرتها على التنافسية، ويتجلى ذلك في أننا نجد أن معظم الرؤى المستقبلية والاستراتيجيات الوطنية والخطط التنموية للدول العربية تشدد على أهمية تشجيع الإبداع والابتكار على المستوى الفردي والجماعي".
وأوضحت الشيخة بدور القاسمي أن معظم الدول العربية تركّز في استراتيجياتها على أهمية الاقتصاد المعرفي وإطلاق العنان للتفكير الإبداعي في مجالات عدة مثل الاقتصاد والطاقة والبرمجة، ولكن هذا الاهتمام بالابتكار والإبداع لم يمتد للثقافة والفلسفة.
وفي مداخلة له خلال الجلسة، أشار الكاتب التونسي الدكتور شكري المبخوت، إلى أن الإمارات دولة تؤمن بحرية التعبير ولا يوجد تعليمات رقابية تعمل على تقييد حرية المواد الإبداعية مقارنة بغيرها من الدول العربية، وأضاف:" الرقيب أحياناً يضع نفسه في موقع المجتمع حامياً له، ما يسهم في تقييد حرية الإبداع، لكن هذا أمر أثبت أنه متغيّر مع الأزمان، ومن حق كل كاتب أن يترجم إبداعه بما يراه مناسباً، وأن يكون وفيّاً لما يكتب، أي أن يكتب الأشياء كما هي، لكن يجب عليه بداية أن يؤمن إيماناً عميقاً بالحرية الفردية كونها محرك جميع الحريات والتصورات الفكرية والمعرفية".
من جانبه وجه الكاتب والشاعر المصري أحمد الشهاوي دعوة إلى الحكومات العربية بأن تلتزم بالقوانين والأنظمة التي كفلت في مضامينها حرية الابداع، ومنحت المبدعين مجالات حيوية للتعبير عما يدور في أذهانهم بالطرق التي تتناسب وطبيعة الثقافة المجتمعية التي يعيشون بها دون تشويه أو إخلال.
ولفت الشهاوي في الوقت نفسه إلى الدور الذي تلعبه التشريعات والقوانين الخاصة والمقيّدة للمواد الأدبية في تراجع حالات الإبداع في الثقافة العربية، مؤكداً على ضرورة أن يمنح المفكر والكاتب حرية طرح الأفكار وتضمين إنتاجاته الأدبية بلغة يراها مناسبة وصالحة للقارئ.
أما الكاتبة اللبنانية إيمان حميدان، رئيسة جمعية نادي قلم، فتحدثت عن الدور الذي تقوم به الجمعية وقالت: "يوجد قطيعة عفوية بين الناشر والكاتب، وهنا يكمن دورنا، إلى جانب الجمعيات الثقافية، والنوادي الأدبية، والمسارح البديلة في سد هذه الفجوة وتقريب القارئ أكثر إلى عوالم النشر وما تتضمنه، ليكون مطلعاً على المشهد الإبداعية بشكل متكامل، وينبغي على مختلف الجهات أن تحقق إنجازات ملموسة على أرض الواقع، لا أن تقتصر على انتقاد الرقابة وحسب، بل لابد أن نتحايل عليها، من خلال بناء جيل يقرأ ويقاتل في المستقبل من أجل حرية التعبير".
من ناحيته قال كريستن اينارسون: "إن اتحاد الناشرين الدوليين ملتزم التزاماً تاماً بحرية التعبير، وهو يواجه الكثير من التحديات في جميع أنحاء العالم اليوم، ونعتقد أن الإسهام الفريد للناشرين في تمكين حرية التعبير والنقاش والحوار، عن طريق نشر أعمال المؤلفين يستحق التقدير والحماية، إذ أن لدى الناشرين الإرادة لتحدي التفكير المطلق، وبينما يجب علينا الحفاظ على المسلّمات التي يؤمن بها المجتمع، فإن علينا أيضاً أن نفسح المجال أمام المعرفة الجديدة والأفكار الجديدة".
وأضاف اينارسون: "يجب على الناشرين أن يكونوا على استعداد لمواجهة الحدود التي يرسمها المجتمع عن طريق اختيار نشر الأعمال التي من شأنها أن تُحدث نوعاً من الحوار والنقاش، وتتيح لاحقاً التغيير في الأفكار الاجتماعية المطلقة، ومن المهم أن يعمل الناشرون مع بعضهم البعض وبالشراكة مع منظمات أخرى لتحقيق هذا الهدف".
وأجمع المشاركون في الجلسة الحوارية على الأثر الكبير الذي تتركه الرقابة المؤسسية والذاتية على المنتج الفكري في العالم العربي، مؤكدين أن الحد من حرية الفكر يقلل فرص وصول الدول العربية إلى مبتغاها المتمثل في معظم الأحيان ببناء اقتصاد معرفي مستدام.