شركة البوتاس العربية تعزز وجودها الاستراتيجي في أوروبا مذكرة تفاهم مع صندوق الأمان لمستقبل الأيتام والعقبة الخاصة رئيس الديوان الملكي يلتقي وفدًا من أكاديمية القادة الدولية لجنة السينما في "شومان" تعرض الفيلم الإيطالي "الطريق" غدا "مجلس العقبة وصندوق حياة يقدمان نموذجًا رائدًا في دعم التعليم الجامعي ل 60 طالب جامعي" افتتاح محطة تكرير الزيوت في شركة العقبة لإدارة وتشغيل الموانىء وزير الثقافة يزور الفنان يوسف الجمل ويطمئن على صحته ولي العهد يهنئ الأميرة رجوة بعيد ميلادها العين الكلالدة يشارك بندوة متوسطية في تركيا القضاة يرعى حفل مشروع لمواجهة التغير المناخي واستنزاف الموارد الطبيعية" Green forward" "النواب" يقر 7 مواد بـ"التعاونيات" ويحول "مُعدل العقوبات" للقانونية النيابية وزير الزراعة: الأمن الغذائي أصبح أولوية سيادية تتطلب متابعة عليا اختتام مشروع "بيليف" لتعزيز التمكين الاقتصادي ‏الصين تطلق بنجاح قمرا اصطناعيا جديدا لنقل البيانات ما قالت الريح لليّل ٠٠ للشاعرة لهيب عبد الخالق ريادة الأعمال الإلكترونية: كيف غيّر الإنترنت قواعد اللعبة الاقتصادية الشلبي يفتتح مهرجان خيرات معان ومعرض المنتجات الريفية عندما يحتاج الوطن إلى ماء الحياة!! الأراضي: لا ارتفاع على القيم الإدارية والاعتراض متاح إصابات بالاختناق جراء اعتداء الاحتلال على طلبة مدارس الخضر جنوبي بيت لحم

سوريا الجديدة.. كيف ستتجاوز التحديات؟

سوريا الجديدة كيف ستتجاوز التحديات
الأنباط -

 

عايش: الاستثمارات في سوريا لا تزال رهينة العقوبات

حجازين: الأولوية لإعادة ضبط الأسواق

 

السبايلة: صعوبة تحقيق التوازن بين مختلف القوى

 

الحوراني: سوريا بحاجة إلى جيل كامل للتخلص من آثار نظام الأسد

 

حاميش: تقديم مرتكبي جرائم الحرب إلى المحاكم

 

العلمي: محاورة جميع الأطياف من مكونات الشعب

 

الأنباط – عوني عياصرة

 

بزغ فجر سوريا الجديدة التي خرجت من رحم المعاناة بعد 55 عامًا من استيلاء عائلة الأسد على السلطة إثر انقلاب عسكري ليمارس الأسد الأب ومن بعده الابن كافة أشكال القمع والتنكيل بالشعب السوري عبر عدة محطات في تاريخ البلاد بدءا من سبعينات القرن الماضي وحتى نهاية العام الماضي.

هذه الفترة من سنين اللون الواحد شوهت الكثير من المعادلات الاقتصادية والاجتماعية لتمسي الأرض السورية لوحة معقدة تحمل ندوبًا غائرًا تحتاج عملًا دؤوبًا لإعادة ترميمها.

من أبرز التحديات التي تواجه البلاد، التحدي الاقتصادي، حيث أن الأولوية الأساسية للحكومة تتمثل في إعادة ضبط الأسواق، وضمان توفر المواد الأساسية، إضافة لتوفير السيولة، فالبلاد ما تزال ترزح تحت وطأة العقوبات الدولية.

وفي الشأن السياسي، لازالت البلاد تواجه شبح الفرقة، فخيار الفيدرالية ما يزال يرواد كثيرين، ناهيك عن الاعتداءات الصهيونية على الأرض السورية.

 

واقع اقتصادي مرير

 

ويرى الخبير الاقتصادي حسام عايش أن الأولوية العاجلة للحكومة السورية في الوقت الراهن تتمثل في توفير السيولة النقدية اللازمة للمواطنين، نظرًا لحالة التقييد الحاصلة في الأسواق، والتي تؤثر بشكل مباشر على القدرة الشرائية للأفراد، موضحًا أن أحد أبرز التحديات الاقتصادية يتمثل في الارتفاع الكبير في معدلات التضخم، الأمر الذي ينعكس على أسعار السلع الأساسية، مما يستدعي تدخلًا حكوميًا لضبط الأسعار ومنع تفاقم الأزمة المعيشية.

وقال إن قضية الرواتب والأجور تظل واحدة من المشكلات الرئيسية التي تواجه الاقتصاد السوري، فرغم قيام الحكومة بزيادة الرواتب بنسبة 400%، إلا أن هذه الزيادة لم تؤدِ إلى تحسين جوهري في مستوى المعيشة، إذ أن الرواتب التي كانت تتراوح بين 20 إلى 30 دولارًا شهريًا ارتفعت إلى ما بين 80 و100 دولار فقط، وهو ما لا يكفي لتغطية الاحتياجات الأساسية للمواطنين، خاصة في ظل الارتفاع الحاد في أسعار الطاقة والمواد الغذائية والوقود، إلى جانب زيادة الطلب على السلع.

وتابع أن الأزمة الاقتصادية لا تقتصر على الرواتب فقط، بل تمتد إلى نقص المعروض من السلع الأساسية، الأمر الذي يتطلب تعزيز عمليات الاستيراد لتلبية الاحتياجات الغذائية والصحية والتعليمية، موضحًا أن هذه الاحتياجات تُعتبر "جوهرية" لضمان الاستقرار المعيشي للمواطنين، ما يستوجب من الحكومة اتخاذ إجراءات أكثر فاعلية لضمان تدفق هذه السلع إلى الأسواق المحلية.

وأشار عايش إلى أن العديد من الدول تقدم مساعدات لسوريا لتزويدها بالمواد الأساسية، ومن بينها الأردن الذي يلعب دورًا هامًا في تسهيل حركة الشاحنات عبر الحدود الأردنية السورية، إذ اتخذت الحكومة السورية بعض الإجراءات التي تهدف إلى تخفيف الأعباء الاقتصادية، مثل توحيد الرسوم الجمركية على جميع المعابر الحدودية، الأمر الذي يُساهم إلى حد ما في تهدئة الأسواق.

ويرى أن المطلب الأساسي للحكومة السورية يتمثل في رفع العقوبات الاقتصادية، متابعًا أن أي تحسن في العلاقات الاقتصادية أو تخفيف القيود المفروضة لا يكفي لسد الحاجة الفعلية للانتقال من مرحلة إدارة الأزمات إلى مرحلة التعافي الشامل.

وأوضح أن الاستثمارات في سوريا لا تزال رهينة العقوبات، إذ إن المستثمرين ينتظرون رفعها بالكامل إلى جانب إصدار القوانين والإجراءات التنظيمية الجديدة التي من شأنها تحسين بيئة الأعمال.

وقال إن المساعدات الدولية التي أُعلن عنها في ختام مؤتمر بروكسل الأخير "لم تكن بمستوى التوقعات"، إذ انخفضت التعهدات المالية مقارنة بالمؤتمرات السابقة نتيجة قرار الولايات المتحدة بوقف جزء من مساعداتها الدولية، مما انعكس سلبًا على حجم التمويلات المقدمة لسوريا، موضحًا أن هذه التعهدات، التي تتنوع بين المنح والقروض، قد تُسهم في تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية بشكل جزئي، لكنها "لن تكون بديلًا حقيقيًا" عن الاستثمارات المباشرة في القطاعات الحيوية.

وأوصى بضرورة وجود استثمارات ضخمة في البنية التحتية، وخصوصًا في قطاعات الطاقة، النقل، والمنظومات الاقتصادية المختلفة، إذ إنها العمود الفقري لأي عملية تعافٍ اقتصادي مستدام، محذّرًا من أن استمرار الأوضاع على ما هي عليه سيجعل التعافي الاقتصادي السوري عملية طويلة الأمد.

 

القطاع الخاص جزء من عملية التعافي

 

ويرى عايش أن خصخصة الاقتصاد والانتقال نحو اقتصاد حر يهدفان إلى تعبئة إمكانيات رجال الأعمال السوريين في القطاع الخاص، ليكونوا جزءًا أساسيًا في عملية التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار، مشيرًا إلى أن بناء سوريا على أسس اقتصادية حديثة، بما يتماشى مع معايير الدول المجاورة، يتطلب دورًا فاعلًا للقطاع الخاص، لا سيما من قبل رجال الأعمال السوريين الذين غادروا البلاد خلال الأزمة.

وأوضح أن تحرير القطاع الخاص من التدخلات الحكومية، يمثل شرطًا أساسيًا للنهضة الاقتصادية، موضحًا أن الاقتصاد الحر يفترض أن تعمل الحكومة فيه كمشرف ومنظم، تضع القوانين التي تضمن الشفافية والنزاهة، وتمنع الاحتكار، وتضبط الجودة، بدلًا من أن تكون منافسًا مباشرًا للقطاع الخاص.

 

ضبط الأسواق

 

وفي السياق ذاته، أوضح المحلل الاقتصادي فائق حجازين أن الأولوية الأساسية للحكومة تتمثل في إعادة ضبط الأسواق، من خلال ضمان توفر المواد الأساسية، وتعزيز الرقابة على الجودة والأسعار، بما يسهم في استعادة الاستقرار الاقتصادي، مشيرًا إلى أن سوريا، رغم أزماتها، تمتلك مخزونًا زراعيًا كافيًا، لكنها تحتاج إلى إعادة تشغيل عجلة الإنتاج، لا سيما في القطاعين الزراعي والصناعي، لاستعادة موقعها في الأسواق الإقليمية والدولية.

وقال إن الوقت "لا يزال مبكرًا" للحديث عن استثمارات مباشرة، نظرًا لأن المستثمرين يحتاجون إلى ضمانات تتعلق بالاستقرار السياسي والأمني، وهو ما لم يتحقق بالكامل بعد، مشيرًا إلى أن النظام السوري الجديد لا يزال تحت الاختبار، وأن استقرار الأمن في كامل الأراضي السورية، وليس فقط في دمشق، هو شرط أساسي لجذب الاستثمارات، كما أن تشكيل حكومة منتخبة ومجلس تشريعي سيتيح لاحقًا وضع القوانين التي تضمن حقوق المستثمرين وتوفر بيئة استثمارية مناسبة.

وأضاف حجازين أن المجتمع الدولي بدأ بإعادة النظر تدريجيًا في العقوبات المفروضة على سوريا، متوقعًا أن تستغرق عملية رفعها فترة قصيرة نسبيًا، خاصة مع تصاعد الحاجة إلى إعادة الإعمار.

التوازن بين القوى السياسية

وفي الشأن السياسي، قال المحلل السياسي عامر السبايلة إن مسألة تحقيق التوازن بين مختلف القوى السياسية مسألة صعبة في سوريا نظرًا لعوامل متعددة، أولها الموروث من المرحلة الماضية، وثانيها التطورات التي تحدث في الإقليم بشكل عام، بالإضافة إلى الواقع الجغرافي لسوريا فيما يتعلق بالدروز والأكراد.

وأضاف أنه من الصعب إيجاد حل متوازن يضمن مصالح الأطراف جميعها، مشيرًا إلى فكرة "الفيدرالية" كخيار محتمل في المرحلة المقبلة، حيث يتم تبني نظام لامركزي يتيح للمكونات المختلفة فرصة الحفاظ على هويتها ضمن إطار الدولة السورية.

وتابع أن الحكومة الحالية لم تُثبت "حتى الآن" قدرتها على تقديم إطار دستوري يُحقق التوافق الوطني"، ويرى أن الحكومة الجديدة لم تتمكن "حتى الآن" من تقديم أي مقترح يُمكن اعتباره طرحًا جادًا للخروج من الأزمة.

وتابع أن الحديث عن بناء مؤسسات قوية في سوريا يظل بعيد المنال، إذ إن المؤسسات بطبيعتها لا يمكن أن تقوم إلا في إطار مشروع وطني شامل، مضيفًا أن أي مشروع وطني حقيقي لا بد أن يكون جامعًا وشاملًا، حيث يشعر الجميع بأنه يُمثل ضمانة لهم.

وفيما يتعلق بالضمانات اللازمة لضمان نزاهة العملية الانتخابية، يرى السبايله أن "الداخل السوري" غير قادر على تقديم ضمانات كافية تُحقق الحد الأدنى من الشفافية والمصداقية، ما يستدعي إشرافًا دوليًا مباشرًا لضمان نزاهة أي انتخابات مقبلة.

 

العقلية الأمنية والتحول الديمقراطي

 

ويرى الخبير العسكري حسن الحوراني أن الاستراتيجية الأمثل لضمان اندماج الفصائل المسلحة ضمن هيكلية أمنية وطنية موحدة تتطلب وقتًا طويلًا للتحول من العقلية المتشددة التي سادت في سوريا على مدار نصف قرن، مضيفًا أن البلاد بحاجة إلى جيل كامل، للتخلص من آثار النظام الأمني السابق وتحقيق التحول الديمقراطي الذي يضمن تمثيل جميع مكونات الشعب بشكل عادل.

وفيما يتعلق بالولاءات المتعددة داخل الفصائل، أوضح الحوراني أن المشكلة تكمن في أن الفصائل المختلفة لا تنتمي فقط إلى سوريا كدولة، بل تتبع مرجعيات فئوية أو طائفية، ما يؤدي إلى نزاع على السلطة وعدم استقرار، متابعًا أن الحل يكمن في تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية الشاملة التي تشمل جميع المناطق، بما في ذلك تلك التي تعارض النظام، وليس الاقتصار على العاصمة أو المناطق الموالية.

وبالنسبة للتعامل مع الفصائل المتطرفة، قال الحوراني إن المواجهة "يجب أن تكون شاملة"، أولًا، عسكريًا، يجب مواجهة هذه الفصائل وتفكيكها، ثم أمنيًا، حيث يجب مطاردة العناصر المنتمية إليها وإعادة تأهيل من يمكن إصلاحه، مشيرًا إلى أن بعض الأفراد الذين يحملون الفكر المتطرف يكونون مستفيدين منه، ولا يمكن ردعهم إلا بالعقوبات المناسبة، بما في ذلك السجن إذا تحول الفكر إلى سلوك إرهابي.

وفيما يتعلق بتعديل العقيدة القتالية للجيش السوري، لفت الحوراني إلى ضرورة تبني العقيدة القتالية "الغربية"، التي تركز على النوعية بدلًا من الكم، مما يساعد في تقليل استخدام القوى البشرية ويعزز فعالية العمليات العسكرية، متابعًا أن هذا التغيير في العقيدة من شأنه أن يساعد في الحفاظ على ميزانية الدولة وتوجيهها بشكل أفضل لخدمة كافة القطاعات، مع تفادي تركزها فقط على المجهود الحربي كما كان الحال في العقيدة القتالية الشرقية.

وقال إن دمج الفصائل المسلحة في الجيش السوري يجب أن يتم بشكل تدريجي وضمن إطار منظم، بحيث يتم توزيع أفراد الفصائل على وحدات مختلفة من الجيش بدلًا من دمجهم ككتلة واحدة، كما يجب أن يتضمن الجيش عناصر أمنية تعمل على ضمان ولاء وانتماء الأفراد للبلد، ما يساهم في الحفاظ على تماسك الجيش ومنع أي محاولة للإضرار بالاستقرار السياسي.

وأشار إلى أن الإصلاحات في الأجهزة الأمنية يجب أن تشمل تدريبهم على احترام حقوق الإنسان وكرامة المواطنين، موضحًا أهمية تأهيل الأجهزة الأمنية في كيفية التعامل مع العنصر البشري واحترام سيادة القانون، إذ إن الأمن العام ليس جهازًا للانتقام أو فرض العقوبات، بل هو لتنفيذ القوانين.

وبشأن قدرة الحكومة السورية على فرض سيادتها في المناطق التي تسيطر عليها قوى إقليمية أو محلية، يرى الحوراني أن الحكومة السورية تتبع سياسة القوة في المناطق التي شهدت تمردات، وذلك باستخدام القوة العسكرية ضد الفصائل المسلحة التي اعتدت على الجيش وقتلت مدنيين، موضحًا ضرورة ظهور الأجهزة الأمنية التابعة للحكومة على أنها تعمل لصالح المواطنين، مع ضمان تطبيق القانون بعيدًا عن الأساليب الفردية أو الانتقامية.

 

المصالحة وبناء الثقة

ويرى الصحفي السوري أحمد حاميش أن تحقيق المصالحة الوطنية وإعادة بناء الثقة بين مكونات المجتمع السوري بعد سنوات من الانقسام يتطلب تطبيق العدالة وسيادة القانون بشكل صارم وعادل، بحيث يتم تقديم مرتكبي جرائم الحرب بحق الشعب السوري إلى المحاكم، ومحاكمتهم محاكمة عادلة، بغض النظر عن انتماءاتهم أو مواقفهم السياسية.

وقال حاميش إن غياب العدالة والمساءلة سيؤدي إلى استمرار حالة الانقسام والتوتر بين مكونات الشعب السوري، في حين أن تحقيق العدالة سيضمن عدم تصاعد العمليات الانتقامية والتحريضية، ويؤدي إلى ترسيخ فكرة أن الجميع أمام القانون متساوون.

وأضاف أن أحد أهم أسباب "الشرخ العميق" بين مكونات المجتمع السوري هو السياسات التي انتهجها النظام السابق، والتي أسهمت في تأجيج النعرات الطائفية والمناطقية، فضلًا عن المجازر والانتهاكات التي ارتُكبت بحق معارضي النظام، مما أدى إلى نشوء حالة من العداء المتبادل بين الأطراف المختلفة.

وتابع أنه لا يمكن الحديث عن مصالحة وطنية حقيقية دون إعادة الحقوق المغتصبة لأصحابها، وضمان تعويض المتضررين من جميع الأطراف، موضحًا أن المصالحة يجب أن تقوم على أسس العدالة وليس على مبدأ طي الصفحة دون محاسبة، لأن أي تسوية سياسية لا تأخذ في الاعتبار تحقيق العدالة والمساءلة ستظل معرضة للانهيار في أي لحظة.

وقال حاميش إن العدالة الانتقالية يجب أن تستند إلى الحوار الشامل بين جميع مكونات المجتمع السوري، مع ضرورة تقديم مرتكبي جرائم الحرب إلى المحاكم، وتسليمهم للعدالة إذا كانوا داخل البلاد، وضمان عدم الإفلات من العقاب.

وأشار إلى أن إعادة الحقوق المغتصبة إلى أصحابها، سواء كانت ممتلكات أو تعويضات عن الانتهاكات التي تعرضوا لها، هو أمر ضروري لبناء الثقة بين مكونات المجتمع، وتعزيز الشعور بالعدالة.

وحذّر من أن غياب العدالة سيؤدي إلى انتشار منطق الانتقام، ما قد يكرّس الفوضى ويفرض حالة من اللادولة، حيث تصبح القوة هي الحكم بدلًا من القانون.

ويرى أن تسليم الجناة إلى محاكم عادلة سيؤدي إلى تخفيف الاحتقان، لأن المتضررين سيشعرون بأن حقوقهم قد استُعيدت، مما يقلل من احتمالية لجوئهم إلى الانتقام الشخصي، كما يؤكد أن تطبيق القانون بشكل صارم ومتساوٍ على جميع الأطراف، دون أي تمييز، هو السبيل الوحيد لإعادة بناء الثقة في الدولة الجديدة.

وتحدث حاميش عن تجربته الشخصية كلاجئ سابق في ألمانيا عاد إلى قريته في ريف حمص، مشيرًا إلى الصعوبات التي واجهها بعد عودته، حيث وجد منزله مدمرًا وممتلكاته منهوبة، فضلًا عن غياب الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والإنترنت، ما جعل ظروف المعيشة في غاية الصعوبة.

وأوضح أن هذه المعاناة ليست حالة فردية، بل تنطبق على ثلثي اللاجئين والنازحين الذين اضطروا إلى مغادرة مناطقهم بسبب الحرب، والذين يواجهون تحديات كبيرة في العودة بسبب تردي الأوضاع المعيشية وانهيار البنية التحتية في العديد من المدن والقرى السورية.

ويرى حاميش أن تأمين عودة اللاجئين والنازحين تتطلب جهودًا كبيرة على عدة مستويات، تبدأ بإعادة بناء البنية التحتية وتوفير الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء والتعليم والصحة، بالإضافة إلى خلق فرص عمل تضمن للعائدين حياة كريمة، مشيرًا إلى ضرورة أن تكون العودة طوعية، وأن يُسمح للاجئين باتخاذ قرار العودة وفقًا لظروفهم الشخصية، دون أي ضغوط سياسية أو اقتصادية.

وقال إن الدعم الدولي والإقليمي "ضروري جدًا" لإنجاح عملية إعادة الإعمار وتأمين الظروف المناسبة لعودة اللاجئين، مشيرًا إلى أن غياب هذا الدعم قد يؤدي إلى تأخر عودتهم لسنوات طويلة.

وطرح حاميش مثالًا بأبناء قريته الذين عادوا لاستطلاع الأوضاع، لكنهم قرروا العودة إلى دول اللجوء بعد أن وجدوا أن الظروف المعيشية غير ملائمة، مضيفًا أن الكثير من اللاجئين الذين غادروا سوريا قبل 14 عامًا لم يعودوا أفرادًا كما كانوا عند خروجهم، بل أصبحوا أرباب أسر، ويحتاجون إلى مساكن جديدة تتناسب مع حجم عائلاتهم، مما يزيد من تعقيد مسألة العودة، خاصة في المناطق التي تعرضت لدمار واسع النطاق.

ويرى أن المجتمع المدني يلعب دورًا جوهريًا في تحقيق الاستقرار وتعزيز قيم التعايش السلمي بين مكونات المجتمع السوري، لكنه في الوقت ذاته يمثل سلاحًا ذا حدين، متابعًا "يوجد جهات تعمل على تعزيز المصالحة من خلال المطالبة بمحاكمة مرتكبي الجرائم وإحالتهم إلى العدالة، إلى جانب تعويض المتضررين بما يضمن اندماجهم في المجتمع وإعادة حقوقهم، لكن من جهة أخرى، هناك أطراف، رغم قلتها، تكرّس خطاب الانتقام والفوضى".

وأشار حاميش إلى أن هذا الانقسام لا يقتصر على جهة دون أخرى، فحتى بين مؤيدي النظام السابق هناك من يدعو إلى التعايش والسلم الأهلي، في حين يوجد من يحرّض ضد الحكومة والطوائف الأخرى، مما يعقّد جهود تحقيق المصالحة.

ولتجاوز هذا الواقع، أوضح حاميش ضرورة إجراء جلسات حوار مجتمعية، ليس على مستوى القيادات السياسية فحسب، بل على مستوى الوجهاء والعقلاء والأكاديميين والمؤثرين في المجتمع، باعتبارهم أكثر قدرة على بناء جسور الثقة بين مكونات الشعب السوري.

ويرى حاميش أن العدالة لا تعني فقط تطبيق القانون بحذافيره، بل تتطلب أيضًا مراعاة روح القانون، إلى جانب تقديم تعويضات معنوية ومادية للمتضررين، تخفف من آثار النزاع، حتى وإن لم تكن كافية لتعويض حجم التضحيات التي قُدمت.

 

العدالة وتطبيق القانون

وقال خبير التخطيط الاستراتيجي والمحلل السياسي الدكتور مهدي العلمي إن الحكومة السورية الجديدة يمكنها تعزيز المصالحة الوطنية وبناء الثقة بين مكونات المجتمع السوري من خلال تنفيذ العدالة وتطبيق القانون، مشيرًا إلى أن المساءلة تلعب دورًا حيويًا في هذه العملية، إذ يجب أن تكون هناك آليات واضحة لضمان محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات.

وتابع أن تحقيق العدالة ليس مجرد خطوة قانونية، بل هو الأساس لبناء مجتمع متماسك قادر على تجاوز آثار الانقسام، موضحًا وجود فجوة كبيرة بين مكونات الشعب السوري ناتجة عن عدة أسباب خلال فترة النظام السابق، إذ تفاقمت هذه الفجوة نتيجة للنعرات الطائفية التي ارتكبتها المجازر ضد الثائرين على النظام.

وأشار العلمي إلى ضرورة محاورة جميع الأطراف من مكونات الشعب السوري، مشددًا على أهمية تقديم مرتكبي جرائم الحرب إلى المحاكم، "خاصة أولئك الموجودين داخل البلاد"، وإعادة الحقوق المغتصبة لأصحابها من جميع الأطراف.

وأضاف أن هذه الخطوة أساسية لبناء الثقة سواء تجاه الحكومة أو تجاه المكونات التي ارتكبت المجازر والانتهاكات، متابعًا "عندما لا يسود العدل والقانون، تسود شريعة الغابة وتظهر نزعات الانتقام".

وقال إن تسليم الجناة إلى محاكم عادلة يسقط الحق الشخصي للمتضرر، مما يمنع ردات الفعل غير المبررة، موضحًا أن تطبيق القانون والالتزام به من جميع الأطراف تحت رعاية الدولة السورية الجديدة يعدان أساسيين لبناء الثقة بين المكونات وتعزيز الثقة تجاه تلك الدولة.

ويرى العلمي أن إعادة دمج اللاجئين والنازحين في المجتمع السوري والعودة الطوعية إلى مناطقهم تُعد من القضايا الأكثر إلحاحًا في الوقت الحالي، موضحًا أن الظروف الصعبة التي يواجهها العديد من هؤلاء اللاجئين تتطلب تدخلًا عاجلًا لتسهيل عملية العودة وإعادة إدماجهم، لاسيما في المناطق التي تعاني من تدمير كبير للبنية التحتية.

ولفت إلى أن التحديات التي يواجهها النازحون تكمن في غياب فرص العمل، وضعف البنية التحتية في المناطق المتضررة، ما يجعل العودة إلى هذه المناطق أمرًا صعبًا للغاية، داعيًا إلى ضرورة توفير فرص عمل في المناطق التي سيعود إليها اللاجئون، إذ إن تأمين هذه الفرص سيسهم بشكل كبير في تسريع عملية العودة الطوعية.

© جميع الحقوق محفوظة صحيفة الأنباط 2024
تصميم و تطوير