الأنباط -
تقرير ديوان المحاسبة: لنا أم علينا؟
حاتم النعيمات
مؤخرًا، أصبح تقرير ديوان المحاسبة السنوي يثير ضجيجًا إعلاميًا متزايدًا، وهذا أمر إيجابي يؤسس لحالة من الرقابة الشعبية المطلوبة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن نشر هذه البيانات الدقيقة يعكس مستوى جيدًا من الشفافية والنزاهة.
في الأردن، لدينا مؤسستان رئيسيتان تُعنيان بمتابعة ومكافحة الفساد والمخالفات المالية والإدارية، هما ديوان المحاسبة وهيئة النزاهة ومكافحة الفساد. كان لهاتين المؤسستين أثر ملموس في الحد من الفساد بشكل عام، مما يدل على أن الدولة الأردنية لا تنكر وجود الفساد كما يعتقد البعض، بل تتعامل معه كحقيقة واقعة تسعى للسيطرة عليها، كما هو الحال في أي دولة أخرى.
المقياس العالمي الأبرز لقياس مستويات الفساد هو مؤشر مدركات الفساد (CPI). ووفقًا لهذا المؤشر، حصلت الدنمارك، التي تحتل المرتبة الأولى كأقل الدول فسادًا، على 90 نقطة. أما الأردن، فقد حصل على 46 نقطة وذلك خلال عام 2023، مما يجعله في المرتبة 63 عالميًا (من أصل 180 دولة) والرابعة عربيًا بعد السعودية وقطر والإمارات. وهذا يعني أننا في وضع جيد مغاير للحالة الانطباعية السائدة بين الناس، وهذه البيانات بالطبع لا تعني أننا بلا فساد ولكنها تعطينا مقياسًا رقميًا نستطيع من خلاله فهم الوضع بدقة.
اتخذ الحديث عن تقرير ديوان المحاسبة في بعض الأحيان منحًى غير واقعي. استخدم البعض التقرير لاستجلاب الشعبوية وتصفية الحسابات، رغم أن محتوى التقرير طبيعي من الناحية الكمية يُعتبر ولا يكشف عن مخالفات خارجة عن المألوف أو خسائر مادية غير عادية. لذلك، من المنطقي أن نتساءل عن المبالغات التي صاحبت صدور التقرير.
ما حدث هو خلط بين دلالة "الخسائر المادية" الناتجة عن المخالفات ودلالة "كيفية" وقوع هذه المخالفات. بمعنى أن هناك مخالفات ينبغي مناقشة كيفيتها أكثر من التركيز على قيمة الخسائر المترتبة عليها. هذا الخلط أضاع جوهر النقاش وحول القضية إلى مجرد سجال.
بعض المخالفات تؤكد وجود خلل إداري ورقابي واخز في مؤسسات معينة، حيث استمرت هذه المخالفات لسنوات دون أن تُكتشف. وهنا يكمن جوهر القضية، وهو ضرورة تكاتف الجهود لمعالجة هذه الاختلالات بمحاولة فهم مناطق الخلل في الجسم الرقابي داخل بعض المؤسسات، بدلاً من استغلال المشهد لتصفية الحسابات مع الحكومة.
إن قدرة ديوان المحاسبة وهيئة النزاهة ومكافحة الفساد -استطاعت الهيئة استرداد أكثر من 141 مليون دينار أردني في عام 2023- تُثبت كفاءة أجهزة الرقابة في الدولة الأردنية. هذه الكفاءة تؤكد أن الدولة قادرة على الوصول إلى أدق التفاصيل، وهذا بحد ذاته شيء إيجابي.
في النهاية فوجود بنية تحتية للرقابة يستدعي منا دعم جهود مؤسساتها عبر الإبلاغ عن حالات الفساد والتعاون التام معها، وفي مقابل ذلك يجب أن يكون لدينا جميعًا الوعي الكافي الذي يقينا من أن نكون ضحية للتضليل والاستغلال من قبل البعض لتحقيق مصالح حزبية أو شخصية.