30 شهيدا و 99 مصابا بـ 3 مجازر للاحتلال الاسرائيلي في قطاع غزة الإيرادات المحلية تصل لأكثر من 7 مليارات دينار حتى نهاية تشرين الأول الجغبير: فتح باب التصدير ل سوريا فرصة مهمة للصناعات الأردنية الأردني الكويتي الراعي الرسمي للجلسة الحوارية التي نظمت من قبل جمعية حماية ضحايا العنف الأسري “العقبة: جلسة حوارية تسلط الضوء على خطط وإنجازات سلطة منطقة العقبة لتطوير المهارات وتأهيل الباحثين عن عمل” "الأحوال المدنية" تتسلم طابعات جوازات السفر الإلكترونية مؤتمرون يوصون بتشكيل لجنة وطنية لمكافحة الإيدز ارتفاع الرقم القياسي لكميات الإنتاج الصناعي خلال 10 أشهر تعديل على مواعيد مباريات الجولة الأخيرة بدوري كرة اليد النقل البري تقر آلية تبادل الخطوط أبو السعود: مشروع التخلص المستدام من مياه الصرف الصحي يحسن الواقع البيئي وزير الشباب يبحث ووفدًا مغربيًا تعزيز التعاون وزير الشباب يبحث ووفدًا مغربيًا تعزيز التعاون الجيش اللبناني يواصل انتشاره في الخيام وفد من منظمة العمل الدولية يطلع على مشروع أتمتة العقد الموحد بالتعليم الخاص الأردنيّة توقّعُ مذكّرةَ تفاهمٍ مع المكتبةِ الوطنيّةِ لأرشفة وحفظِ الوثائق الاحتلال الإسرائيلي يعتقل 40 فلسطينيا مدير الأمن العام يحاضر في كلية الدفاع الوطني الملكية الأردنية الحسين للسرطان توقع اتفاقية تعاون مع الشرق الأوسط للتأمين "الكراتيه" يلتقي أسرة اللعبة في حوار مفتوح

الملذّات ونوستالجيا المستحيل في "عزاءات المنفى" لتيسير أبو عودة

الملذّات ونوستالجيا المستحيل في عزاءات المنفى لتيسير أبو عودة
الأنباط -
بقلم: د. شذى فاعور

        يجد القارئ لكتاب "عزاءات المنفى" لتيسير أبو عودة، ذلك التداخل الأجناسي، بل يلاحظ عبوره في متاهات فلسفية وفكرية للتعبير عن فلسفة المنفى، وعلى الرغم من كون المنفى هو الخوف الكامن في العقلية العربية تحديدا، إلا أنّ تيسير:أبو عودة كان له رأي آخر وفلسفة عميقة لتعريف هذا الجسد الغريب في كون الإنسان وعوالمه، فقد رأى به المكان السائل وفقا لنظرية صوفية لابن عربي، كما وجد به التناقضات أمام أسئلة حائرة حول الهُوية والخطيئة الأولى. ورأى به هستيريا اللّامكان. بل مضى به الأمر أن يعدّه مرضا ووهما، وهذا الوهم حسب قوله: "أورثك كل المنافي" . ثم حاول بعد ذلك أن يعالج مرضه  بخاطرة له وقد عنونها بـ "كبسولات الحنين"، حين جعل من الذاكرة علاجا لشعور المنفى وقسوته .
       تعددت مفاهيم المنفى وفقا لفلسفة تيسير أبو عودة، فهي اغترابه عن ذاته أحيانا، حيث يقول:"أسير وحدي وكلّي كفن تحمله أذرع الغرباء"، ويقول في موضع آخر: "وقلبك الثور يرتعش بكل نشوة لأنّك لست لك"، ويضيف: "صرنا نقشّر عاطفة الغياب بسكّين المنفى"، وتلك العبارات النفسية العميقة كانت تعبيرا عن منفاه الداخلي، وانشطاره، وتشتته عن روحه. كما لوحظ بأنّه يتحدث عن المنفى الحقيقي بابتعاده عن وطنه، حيث تُشكّل الجغرافيا المكانية عبئا على ذاته المنقسمه، حيث يقول" تصبح الجغرافيا (DNA) تتسرّب في دمنا وعروقنا كما يتسرّب السمّ الزعاف". 
      يبيّن لنا تيسير أبو عودة حقيقة المنفى القاسية إلا أنّه قد يجد فيه أحيانا ملذّات مختلفة، إذ حاول استساغته عن طريق الكتابة، وعن طريق استخدامه لرمزيات أسطورية مختلفة تشاركه عذابات المنفى وتشاطره تبعثره، مثل أساطير : إيكو ونرسيس، وبروميثيوس، وسيزيف. وحاول كذلك التعبير عن منفاه من خلال قصائد نثرية تبعثرت في ثنايا كتابه، حيث يقول : "يبقى الشعر وطن الباحثين عن شتاتهم المبعثر" . و بقيت متلازمة المنفى ملاحقة للكاتب تيسير أبو عودة، وهذه المتلازمة امتزجت بمصطلحات صوفية وبشخصيات صوفية، اشترك الكاتب معها بتجليات المنفى بالبحث عن الحقيقة والنور الإلهي، لقد تأثر بابن عربي وبمأساة الحلاج. كما تأثر الكاتب بتجربة الصعاليك،  ورأى بتجاربهم ملذات للمنفى، حتى أنّه استشهد بشعر الشنفرى حين قال واصفا منفاه :
   وفي الأَرضِ مَنأى لِلكَريمِ عَنِ الأَذى                                        وَفيها لِمَن خافَ القِلى مُتَعَزَّلُ   
   ترواحت تجارب الكاتب وخواطره وقصائده النثرية وومضاته الشعورية حول المنفى بين نوستالجية المستحيل، وعدم قدرته العودة إلى الماضي الذي وشم بذاكرته عبق الشعور بالمنفى، وبين ملذّات المنفى وحدائقه حسب تعبيره، لقد تعايش مع المنفى لكنه وحين يعود إلى الماضي، وإلى التجربة الأندلسية تحديدا، فإنّه يشعر بخيبة الأندلسيين و قسوة خيانة أبي عبد الله الصغير، ويشعر بانفاصله عن الماضي بشعور يثقل كاهله. لذا يتذكر محنة أبي العلاء في منفاه الحقيقي والمجازي، ويشاركه تشتت ذاته في منفى عماه. 
   لقد جعل تيسير أبو عودة العناوين الداخلية لنثرياته بمثابة التمثيل الحقيقي لفلسفة المنفى؛ ففيها الانكسار، والعطش، والضحية، ومن العناوين اللافتة كذلك: "مرايا الضباب" حيث يقول شارحا المعنى: "في الضباب تُولد مرتين  :مرة في المنفى وأخرى في نجمة  عابرة" ، كما اختار عنوانا  آخر وهو: "أغنية منسية" يوضح به علاقة المنفى بتشتته عن ذاته فيقول:" ممزّق أنا بين الهُنا والهُناك" .كما يوضّح في عنوانه: "مكنسة الجغرافيا"، حقيقة المنفى الحقيقي داخل الأوطان حيث يتبين المنفى من خلال:"وهم الأوطان والامتلاء بالجثث والأحلام الزائفة" . ثمّ يكشف لنا تيسير أبو عودة بعد تلك السلسلة من نزاعات نفسه الداخلية، لحظة الكشف عن معنى المنفى المجازي، ويقول: "لاشأن لي بهُويتي التي تلبسني، بل هُويتي التي أسكنها هي اغتراب متدرج لكائن مصاب بمرض الدهشة واللُّغة". 
    تأرجح المنفى بين الحقيقة والمجاز في "عزاءات المنفى" ، لكن الكاتب يريد أن يبيّن أنّه لامناص لنا من مجموعة المنافي التي نمرّ بها في حياتنا، فهي موجودة داخل أوطاننا، داخل أعمالنا، داخل نفسياتنا المشتتة، إلا أنّه يريد منا الاقتناع بضرورة المنفى، بل هو "حديقة تعجّ بمباهج الحياة ومسرّات العمر" ، وربما هو " الأرواح التي تسكنه في مدن عدّة" . وعلى الرغم من كل تلك المباهج لمنفى أبو عودة إلّا أن حقيقة المنفى وصراعاته كانت وحشا يجعل مرآة حقيقته مهشمة، وأحلامه سرابية، وفانتازيا قهوته ذكرى لمنفاه!
© جميع الحقوق محفوظة صحيفة الأنباط 2024
تصميم و تطوير