كتّاب الأنباط

الفرصة الضائعة ...

{clean_title}
الأنباط - إبراهيم أبو حويله...

جورج الثالث كان غبيا بإمتياز فبعد خسارة أموال خزينته في الحرب مع فرنسا، قرر فرض ضرائب على المستعمرات البريطانية ومنها امريكا، لأنه لا يستطيع فرض ضرائب على الشعب البريطاني بدون موافقة البرلمان وذلك بسبب الحرب التي حدثت بين البرلمان والملك وخسر فيها تشارلز الاول واعدم .

طبعا هذه الضرائب بصورة طوابع على الوثائق الصادرة من لندن وعلى الشاي وعلى الأخشاب وعلي الكثيرمن الأمور الأخرى .

تشارلز الأول هذا هو الذي أوقع بريطانيا في الحرب الأهلية والتي استمرت قرابة ٤٦ عاما ودفع الثمن رأسه في بدايتها ، وحكم البرلمان حتى استطاع فيليب ذا اورانج عقد المصالحة وإعادة الملكية بعد هذه الفوضى وهذه النتيجة.

ولكن ما الذي حدث مع جورج ؟

حاولت الولايات الأمريكية الموجودة على الشريط الساحلي وعددها ثلاثة عشر ولاية رفض الضرائب فرفض ، ثم حاولت التفاوض على وجود تمثيل في البرلمان في لندن فرفض ، وبعدها ظهر شعار لا ضرائب بدون تمثيل، بعدها أعلنوا استقلالهم وحدثت الحرب ثلاثة عشر عاما خسر فيها جورج الثالث واستقلت أمريكا .

للمصادفة كانت المغرب أو دولة تعترف بأمريكا ، حفظت أمريكا لها ذلك طبعا، ودعمت فرنسا الثورة الأمريكية بكل ما تستطيع، فهي عدوة بريطانيا اللدودة، وخسرت بريطانيا بعدها أغنى مستعمراتها وهي أمريكا.

لويس السادس عشر كما قلنا كان أكبر داعم للثورة الأمريكية وافرغ خزائنه فعليا في سبيل دعمها، ثم أراد فرض ضرائب جديدة على الشعب الفرنسي الذي يراقب ما حدث في انجلترا مع الملك منذ مائة عام، بعد خسارة تشارلز ورضوخ الملكية البريطانية لأمر الملكية الدستورية .

على الجهة الأخرى من المانش الفرنسيون يراقبون وكان وضع الملك لويس السادس عشر شبيه بوضع جورج الثالث، ولكنه لم يستوعب الدرس الذي حدث مع جورج ولم يدرك الفرصة الضائعة، فدعا إلى عقد البرلمان ليفرض ضرائب جديدة، وكان البرلمان الفرنسي ثلثه من النبلاء يعينهم الملك والثلث الأخر لرجال الدين يعينهم الملك وثلث يتم انتخابه من قبل الشعب فالملك يملك الثلثين فعليا .

الثورة الفرنسية كانت بخلاف الثورة الإنجليزية والامريكية ليست صراع طبقات ومصالح، ولكن كانت ثورة اجتماعية ، ثورة جياع بين قوسين ضد الطبقات الغنية ، حتى أن النساء الفقيرات والفلاحات سرن عشرات الكيلومترات لاقتحام قصر فرساي بأدوات زراعية من أجل الخبز .

كان الطلب واحدا ملكية دستورية، ولكن لويس كان يضمر شرا ، وتداعت جيوش الملكيات الاوروبية للدفاع عن الملكية الفرنسية ضد ثورة الشعب ولا أدري بما يذكرني هذا، ولكن تم القبض على لويس السادس عشر وهو في طريقه هو وماري انطوانيت إلى النمسا، لتستنجد باخيها الملك ويرسل معهما جيش لقمع الثوار ، وتم اعدامهما كما نعلم جميعا.

ودخلت فرنسا في نفق مظلم من صراع المصالح والأشخاص والطبقات، حتى جاء نابليون بعد عشر سنين وفي احتفال مهيب حضره البابا عين نفسه امبراطورا ،كالمستجير من الرمضاء بالنار ايها الشعب الفرنسي ، وبعدها شن نابليون حربا على كل ملوك أوروبا ودفع الملوك ثمن وقوفهم مع لويس ، ودخلت أوروبا كلها في الحرب وفرص ضائعة .

وبعدها خسر نابليون وأصبح سجينا في سانت هلينا كما هو معلوم، وتم تعيين أخو الملك وغيره، واحتاجت الثورة الفرنسية إلى ٨١ عاما لتدخل في الإستقرار وفرص ضائعة .

في روسيا كان نيكلوس الثاني اخر ملوك روسيا يفرط في الفرصة الضائعة حيث أن الشعب كان يريد فقط ملكية دستورية ضمن طموحات كلينسكي ولكنه رفض ، فجاءت الثورة البلشفية وجاء لينين وخسر كل شيء وعائلته أيضا في يوم واحد كما هو معلوم .

وفي إيران كان الشعب يبحث عن فرصة ، والفرصة الضائعة كانت هنا للأسرة القاجارية من أصول افغانية هي الحاكمة ، وتأثر فقيه إيراني الطبطبائي بكتاب الكواكبي طبائع الاستبداد وترجمه احد طلابه إلى الفارسية ، وبدأت ملامح الثورة ، فقام الملك رضا شاه في نهاية الأمر بعقد إتفاق مع الثوار الايرانيين بحكم ملكي دستوري واصلاحات دستورية ، ولكن حدث أن توفى الملك واستلم الإبن الذي ألغى كل الإصلاحات ودفع عرشه بعد ذلك الثمن، على يد الثائر الذي سيصبح ملكا وينجب ابن ولا يتعلم ابنه من الدرس، رضا البهلوي استلم السلطة بما يشبه الانقلاب العسكري .

ودخلت إيران بعدها بعشرين عاما تحت حكم العائلة البهلوية واستمرت في الحكم الى سبعينيات القرن الماضي وسقطت على يد الخمينئي كما نعلم .

الفرصة التي اضاعتها الأسرة القاجارية والبهلوية بعدها في التحول السلمي أضاعت حكم فيه إعتدال، واضاعت فقه كان يصوغ مذهب شيعي فيه إعتدال، ويعطي الولاية للشعب بدل الفقيه.

ودفع الملوك والشعوب ثمن هذه الفرص الضائعة.

كلينسكي وتدرجه ولينين وعنفه، ومن رفض إصلاحات لافييت الفرنسي حصل على دموية روبسبير .

يبدو أن التاريخ كما قال هيجل دورة ولكن من يتعض .

يقول الكواكبي إن الثورات تحدث بسبب عموم الإحساس بالظلم ، وفي قصيدة رائعة لإيليا أبو ماضي يصيب الضيق حجر في السد وينزعج من مكانه ويشعر بالملل ويقرر ترك هذا المكان والرحيل وتحدث الكارثة .

جزء من المعلومات من محاضرة رائعة لمحمد المختار الشنقيطي
تابعو الأنباط على google news
 
جميع الحقوق محفوظة لصحيفة الأنباط © 2010 - 2021
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( الأنباط )