لقد بات التّطور التكنولوجيّ -منذ بداية القرن الواحد والعشرين- سريعًا بصورةٍ لا يمكن تتبّعها، ومذهلًا بشكل لا يمكن توقّعه، ومنتشرًا بين الدول والشعوب بشكلٍ لا يمكن حصره أو احتكره. ومن بين تلك الدول "إسرائيل"التي تفوّقت في العديد من مجالات تكنولوجيا المعلومات والتقنيات الحديثة، حيث تلقّت الشركات الناشئة الإسرائيليّة عام 2018 دعماً بقيمة 1.19 مليار دولار أمريكي -أي ما يقارب 20% من استثمارات رأس المال العالمي في مجال الأمن السيبراني-، لتحتل في العام الذي يليه المرتبة الخامسة بين الدول الأكثر ابتكارًا في العالم وفقًا لمؤشر Bloomberg للابتكار، كما أن العديد من الشركات الإسرائيلية ارتبط مؤسسوها أو موظفوها بوحدات تابعة للجيش الإسرائيلي مثل الوحدة 8200؛ الأمر الذي يوضّح أن هناك ارتباطًا وثيقًا بين حاضنات الأعمال والمؤسسات الداعمة للريادة مع الجيش الإسرائيلي مثل team8 و8200 Impact وغيرها.
وفي سياق متصل، فقد أشار تقريرٌ نشرته منظمة Start-Up Nation Central الإسرائيليّة إلى أن "إسرائيل"تفوّقت على الصين باعتبارها البلد الأكثر جذباً لاستثمارات رأس المال المغامر في شركات الأمن الإلكترونيّ خارج الولايات المتحدة الأمريكيّة. كما إن الإحصائيات التي نشرها المنتدى الاقتصاديّ العالميّ World Economic Forum تبيّن أن "إسرائيل"من بين أكثر الدول إنفاقاً على البحث العلميّ والتطوير، إذ تنفق عليه 4.2% من الناتج الإجماليّ المحليّ.
لقد عمدت"إسرائيل"مؤخرًا إلى توظيف التطور والتفوّق التكنولوجيّ الذي حقّقته على مدى السنوات الماضية كأداة لتحقيق المساعي السياسية والعسكرية والاقتصادية، فضلًا عن إقامة علاقات دبلوماسية مع الدول المجاورة. حيث صدّرت تقنيات التكنولوجيا الزراعية إلى بعض الدول الإفريقيّة، وعقدت شراكات أمنية وتكنولوجية مع بعض الدول العربية.
إلا أنه من الجدير ذكره أن بعض التقنيات الإسرائيليّة دخلت بعض المواقع الإلكترونيّة العربيّة متخفيةً بشركاتٍ أمريكيّةٍ من باب الخدمة الإنسانيّة أو باب تحسين تجربة المستخدم الرقميّة خاصة ذوي الاحتياجات الخاصة، فالعديد من مواقع الإلكترونية العربيّة التّابعة للحكومات الرسميّة تستخدم تقنيات شركات إسرائيليّة مسجّلة في أميركا، تظهر أيقونتها مرفقةً باسمها في ذيل قائمة الخصائص الإضافية لتسهيل التصفح. وفي حال الرغبة بالتأكد من هوية الشركة، فقط ضع اسم الشركة في خانة البحث في تطبيق LinkedIn، وتتبع أماكن حسابات مؤسسي الشركة وموظفيهم ومستثمريهم ومقر إقامتهم وجامعاتهم
لكن هناك بدائل عربيّة تنافس -بكلّ جدارة وتميّز- فمثلًا تقدّم الشركة الأردنية Mind Rockets for Software التقنيات المساندة لذوي الإعاقة وأصحاب الاحتياجات الخاصة (مثل الصّم، وضِعاف البصر، والمصابين بعسر القراءة أو نقص الانتباه وسرعة التشتّت أو عمى الألوان أو الصرع أو محدودية الحركة) الذين يحتاجون إلى خواص إضافيّة تعينهم على تصفّح المواقع الإلكترونيّة وتسهّل التعامل معها، إذ يتم تركيب هذه البرمجيات على الموقع بشكل سهل وسريع يضمن أن يصبح محتوى الموقع مفهومًا لذوي الاحتياجات الخاصة.
كما أن شركة Mind Rockets for Software هي شركة أردنية بفريق عربي متنوع، 40% من موظفيها هم من ذوي الإعاقة، وقد حازت منتجاتها الرقمية على ثقة العديد من الجهات الحكومية في دول الخليج العربي، حتى وصل عدد المشتركين بخدماتها أكثر من 50 جهة حكومية تتركز في الإمارات و السعودية و سلطنة عمان. حيث تميّزت عن غيرها بدعمها لخصائص اللغة العربية، وامتلاكها لمنتجين رائدين في هذا المجال هما: "أدوات هِمم"hemamtoolkit.comو Access In Hand.
إلا أنه بالرغم من هذا الإنجاز المميز تبقى الشركات الإسرائيلية هي المتربعة على عرش هذا السوق عالميًا، إذ يسيطر على سوق التقنيات المساندة لذوي الاحتياجات الخاصة عالميًّا ثلاث شركات إسرائيلية مسجلة في أميركا، وذلك لثلاثة أسباب رئيسية: أولًا أنها كانت سابقةً إلى هذه الصناعة، وثانيًا: أنها حصلت على تمويل كبير، وثالثًا أنها سجلت مقراتها في أميركا. فنتيجة دخولها المبكر للسوق، استغلّت حاجة المواقع في السوق الأمريكي لهذا النوع من التقنيات، إذ يمكن مقاضاة المواقع الإلكترونية التي لا تتيح مثل هذه الخاصيات باعتباره شكلًا من أشكال التمييز ضد ذوي الإعاقة. لتتمكّن فيما بعد من بناء قاعدة زبائن كبيرة في أميركا و أوروبا، حتى وصلت الدول العربية بدءًا من المواقع الحكومية العربية وحتى الشركات الخاصة الكبرى.
ولم يكن مجال التقنيات المساندة لذوي الاحتياجات الخاصة المجال الوحيد الذي بدأت فيه الشركات العربية بمنافسة الشركات الإسرائيلية، بل انتشرت الإبداعات العربية الفذّة في مختلف المجالات، فإذا ما انتقلنا إلى مجال الرياضة وإدارة الأنشطة الرياضية، فسيلمع اسم شركة Connect To Fit الأردنية، أما إذا بحثنا عن شركات رائدة في مجال إنشاء المواقع الإلكترونية، فستلمع منصة Wuilt المصرية المتخصصة في بناء المواقع الإلكترونية، حيث تقدّم حلولًا متكاملةً لبناء المواقع الإلكترونية في مكان واحد.
كما حققت الطاقات العربيّة الشابّة جهودًا عظيمةً لتعليم البرمجة للنشء الجديد، وبرز في هذا المجال شركة Hello World Kids الأردنيّة، التي تسعى إلى تعليم الأطفال ابتداءً من سن السادسة برمجة الكمبيوتر والهاتف المحمول.
إن تألق هذه الشركات على اختلاف مجالاتها في الحلول البرمجية يُظهر مدى كفاءة وقوة الطاقات العربيّة الشابّة، ومدى مواكبتها كل ما هو جديد. حيث نافست كبرى الشركات العالمية بفضل أدائها المميز، ونموذج عملها الفريد القائم على سد الحاجات والرغبات المطلوبة، وحل المشكلات الموجودة. الأمر الذي يثبت أن حلولنا وتقنياتنا العربية المميزة جديرة بالثقة والتمكين في أوطانها بدلًا من الاستعانة بالحلول والتقنيات الخارجية.