منذ طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول شنت إسرائيل عدوانها على قطاع غزة المحاصر والذي تسبب في استشهاد أكثر من 10 آلاف شخص في غارات جوية و التوغلات البرية، الشيء الذي دفع بعض زعماء العالم إلى التوجه للمسارات الدبلوماسية من بينها ما يطلق عليه "حل الدولتين" والتي يعتبرها البعض منهم الحل لإنهاء الصراعات بين فلسطين والاحتلال الإسرائيلي.
أشار الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى هدف إقامة دولة فلسطينية معترف بها على حد قوله إلى جانب الاحتلال إسرائيلي أثناء حديثه في البيت الأبيض في 25 أكتوبر/تشرين الأول، وقال: "حين تنتهي هذه الأزمة، يجب أن يكون لدينا رؤية لما سيأتي بعد ذلك. ونحن نرى أن هذه الرؤية يجب أن تكون (حل الدولتين)".
فيما ناقش رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك "الهدف الطويل المدى المتمثل في حل الدولتين"، في اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأسبوع الماضي. فيما أكد "المجلس الأوروبي" في أكتوبر/تشرين الأول التمسك بـ"سلامٍ دائم وقابل للاستمرار على أساس حل الدولتين". ودعا البابا فرانسيس، في مقابلة مع وسائل إعلام إيطالية، إلى التوجه لإتفاق في حل الدولتين.
ما معنى حل الدولتين؟
حسب موقع "The Washington Post" الأمريكي تبنى مفهوم "حل الدولتين" في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي فكرة إقامة دولتين متمايزتين في المنطقة المتنازع عليها، إحداهما تخصص للاحتلال الإسرائيلي والأخرى للفلسطينيين. يرجع أصل هذا الحل إلى نهاية الانتداب البريطاني على فلسطين قبل تأسيس دولة الاحتلال في 1948، ولكن عوامل العنف والحروب أعاقت تقدم هذا المسار.
توثق اتفاقيات أوسلو التي توسطت فيها الولايات المتحدة في عام 1993 تقبل إسرائيل منظمة التحرير الفلسطينية كممثل للفلسطينيين، وأكدت المنظمة على حق إسرائيل في الوجود السلمي. اتفق الجانبان أيضاً على تسليم السلطة الفلسطينية إدارة الحكم في الضفة الغربية وقطاع غزة.
ومع ذلك، فشلت محاولات الرئيس الأمريكي بيل كلينتون في عام 2000 للتوصل إلى اتفاق في كامب ديفيد، وأعقب ذلك اقتحام "آرييل شارون" -رئيس وزراء إسرائيل- حينها للمسجد الأقصى والاندلاع الثاني للانتفاضة الفلسطينية.
تقوم فكرة الحل الدولتين على إقامة دولة فلسطينية تكون القدس الشرقية عاصمة لها، كما تضم كلاً من قطاع غزة وجزءاً كبيراً من الضفة الغربية. يتضمن هذا الحلا أيضاً تبادلاً لبعض الأراضي لتعويض الفلسطينيين عن الأراضي التي فقدوها في المستوطنات الإسرائيلية بالضفة الغربية.
وفقاً لمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، يشير إلى أن معظم الداعمين الدوليين لفكرة الحل الدولتين يرغبون في عودة إسرائيل إلى حدودها قبل حرب 1967. ومع ذلك، تظهر تحديات كبيرة تواجه هذا المسار، حيث توسعت المستوطنات الإسرائيلية داخل الأراضي الفلسطينية، فيما يرغب العديد من الفلسطينيين العودة إلى الأراضي التي احتلتها إسرائيل خلال "النكبة" وحرب عام 1948.
يشكل النزاع حول القدس عقبة إضافية في طريق الحل الدولتين، حيث يرى الفلسطينيون أن القدس الشرقية هي عاصمتهم، بينما اعتبر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب القدس عاصمة لإسرائيل في عام 2017، مما زاد من تعقيد الوضع.
القرارات الدولية التي تنادي بحل الدولتين
منذ احتلال الأراضي الفلسطينية التاريخية من قبل الاحتلال الإسرائيلي، أصدر المجتمع الدولي العديد من القرارات التي تدعو إلى حل النزاع عن طريق حل الدولتين. هذا الحل يجد دعماً واسعاً من قبل القوى العالمية، وهذه أهم المحطات التاريخية:
لجنة بيل 1937
تأسست لجنة بيل، المعروفة أيضاً باسم لجنة الملكية الفلسطينية، سنة 1937 لاقتراح تقسيم الأراضي الفلسطينية إلى دولتين. هذه اللجنة، التي رأسها إيرل بيل، شكلت رداً على انتفاضة الفلسطينيين ضد الانتداب البريطاني.
لجنة "وودهيد" 1938
بعد فشل لجنة بيل في إقناع الأطراف بتقسيم الأراضي، تم تعويضها بلجنة "وودهيد" سنة 1938، والتي عملت على إعادة تصحيح توصيات اللجنة السابقة.
القرار رقم 181 "1947"
أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 181 في عام 1947، الذي قضى بتقسيم الأراضي الفلسطينية إلى دولتين ومنطقة دولية. كان هذا القرار الأممي الأول الذي طرح فكرة حل الدولتين.
القرار رقم 242 "1967"
أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 242 في عام 1967، الذي اقترح حلاً وسطاً للنزاع، مؤكداً احترام سيادة الدول في المنطقة وإنهاء حالة الحرب.
اتفاقية أوسلو 1993
وُقِّعت اتفاقية أوسلو في عام 1993 بين ياسر عرفات وشمعون بيريز، وتهدف إلى تحقيق حكم ذاتي انتقالي للفلسطينيين وتأسيس دولة فلسطينية بحلول عام 1999.
اللجنة الرباعية 2003
تأسست اللجنة الرباعية للشرق الأوسط سنة 2002، وقدمت خريطة طريق تقضي بإقامة دولة فلسطينية بحلول عام 2005، مقابل وقف الاستيطان وانسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية.
مفهوم حل الدولتين بين فلسطين وإسرائيل
في تصريحات حديثة، اتهم محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، إسرائيل بتدمير حل الدولتين بشكل ممنهج. يأتي هذا الاتهام في سياق التوترات الحالية في المنطقة، خاصةً مع التصعيد الأخير في قطاع غزة.
في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول الماضي، قبل بدء العدوان على قطاع غزة، أشار عباس إلى أن السلام في الشرق الأوسط لا يمكن تحقيقه دون تحقيق حقوق الشعب الفلسطيني الوطنية الكاملة و المشروعة.
من جهة أخرى، صرح رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، خلال حملة إعادة انتخابه سنة 2015، بأنه لن تكون هناك دولة فلسطينية مستقلة ما دام يتولى المنصب. ومع ذلك، أعلن في تصريحات لشبكة "CNN" في العام الحالي أنه يرغب في منح الفلسطينيين كل السلطات اللازمة للحكم الذاتي، باستثناء أي سلطة قد تشكل تهديداً لإسرائيل.
تتزعم حركة "حماس" المقاومة في قطاع غزة، وقد أعلنت في عام 2017 جاهزيتها لقبول دولة فلسطينية على حدود سنة 1967 مع هدنة طويلة الأمد.
ومع ذلك، أوضح خالد مشعل، رئيس مكتب "حماس" السياسي آنذاك، أن هذا لا يعني اعتراف الحركة بإسرائيل أو التنازل عن حق عودة اللاجئين وغيرها من الحقوق الفلسطينية التاريخية.
ورغم إعلان حركة حماس سنة 2017، قبولها إعلان قيام دولة فلسطين عاصمتها القدس الشريف على حدود 1967، إلا أنها رفضت الاعتراف بالاحتلال الإسرائيلي. حيث أكدت الحركة أنها تسعى إلى تحرير جميع أراضي فلسطين التاريخية.
في المقابل، يُبدي الكثير من الأحزاب السياسية والجماعات اليمينية المتطرفة داخل إسرائيل، امتعاضها مما يسمى "حل الدولتين". إذ ترفض هذه الجمعيات أي محاولة للاعتراف بالحق الفلسطيني داخل "أرض الميعاد"، وفق تعبيرهم. والتي ما فتئت تدعو بشكل علني إلى إبادة الفلسطينيين والعرب بشكل عام.