الأنباط -
المخدرات الرقمية .. الخطر القادم
د. أشرف الراعي
يعد هذا المصطلح من المصطلحات "الغائبة" في القانون الجزائي، أو قوانين الجرائم الإلكترونية، لكنه شائع في العالم الرقمي الذي أصبح اليوم يسيطر على حياتنا بالمجمل.
وحتى أعطي كل ذي حق حقه فقد نبهني إلى المصطلح، وخطورته الصديق الدكتور ضرار الدبوبي، أستاذ القانون المشارك في الجامعة البريطانية بدبي، حتى وجدت هذا المصطلح عند البحث والقراءة "شائعاً، لكنه غير محكوم بأي نص تجريمي رغم الخطورة التي يُحدثها على عقل الإنسان وجسده، كما هو الحال بالنسبة للمواد المخدرة في العالم الواقعي".
حاولت البحث عن تعريف قانوني محدد لهذا المصطلح، لكن الفقه والقضاء لم يتناولا هذا المفهوم ولم يتعرضا له، كما لم تتعرض له مختلف التشريعات الجزائية، والسبب عدم إمكانية تطبيق القانون بشكله التقليدي على هذه الحالة، فضلاً عن أن القانون بصورة عامة ليس من واجبه إطلاق التعريفات؛ فالتعريفات مهمة الفقه والقضاء. ولا يمكن حتى الآن تصور محاكمة شخص لأنه يستمع إلى الموسيقى، وهذا هو مضمون "المخدرات الرقمية"، التي تؤثر نفسياً على الشخص وتفقده وعيه وإدراكه تماماً كما تفعل المخدرات بشكلها التقليدي.
حاولت التعمق أكثر فوجدت تقريراً للصحافية غفران يونس في صحيفة "إندبندنت" تحاول من خلاله تعريف هذا النوع من المخدرات ومعالجة الإسقاطات النفسية الفجة على الأفراد، فخلصت إلى أن "المخدرات الرقمية هي عبارة عن ملفات صوتية يتم سماعها عن طريق مواقع إلكترونية معينة ويتم تعاطيها عن طريق سماع النغمات ووضع سماعات في كلتا الأذنين؛ فالإيقاعات الموسيقية الصادرة من هذه الملفات تكون متباينة بين الأذنين، ومن خلال العصب السمعي تنتقل الإشارات المدركة سمعياً إلى الدماغ لتؤثر على مستوى التفاعل الكهروكيماوي للنواقل العصبية بين خلال الدماغ والجهاز العصبي".
كما أن هناك العديد من المواقع "ذات النبض الثنائي الصوت" التي تبيع هذه الموسيقى بجرعات مختلفة، قد تؤدي في بعض الأحيان إلى الفتك بدماغ المستمع "المدمن" عبر تنشيط الإفرازات الداخلية في الجسم والتي قد تؤثر في التفاعلات الحيوية للجسد بالكامل، وهو أمر يؤثر بالتالي على المجتمع وقد يؤدي إلى تدميره، نتيجة للآثار السلبية التي يفرضها والتي قد تكون موازية لما يحدث في عالم المخدرات الواقعي، والتي يصنف بها الشخص المتعاطي علمياً وقانونياً بـ "المريض المدمن".
لكن المشكلة القائمة اليوم تتمثل في تجريم القيام بهذا الفعل، لا سيما وأن لا مخدرات ملموسة يقوم الشخص بتعاطيها وتؤثر على الحالة الذهنية والعصبية.. إنها مجرد ذبذبات موسيقية لا يمكن ضبطها أو منع الشخص من الاستماع لها، فلا يعتبر هذا الفعل فعلاً مادياً مجرماً، رغم أن الكثيرين يمكن أن يذهبوا إلى الضفة الأخرى من النقاش ويعتبرون أن الهدف من المخدرات قد تحقق بالمخدرات الرقمية، بما يتوجب معه فرض عقوبة قانونية على ارتكاب هذا الفعل، لكن الواقع العملي يقول أننا سنصطدم بمجموعة من العقبات القانونية أبرزها عدم وجود فعل مادي مجرم .. كما لا يمكن تجريم فعل الاستماع إلى الموسيقى حتى لو كانت بذبذات معينة، فضلاً عن عدم إمكانية ضبط استخدام الموسيقى بهذه الطريقة، وغيرها من الأسباب الواقعية.
هذا على الصعيد القانوني الذي قد يطول النقاش فيه، أما على الصعيد النفسي، فمن المعلوم أن هذا النوع من "المخدرات الرقمية" قد يكون من المصطلحات الشائعة في الطب النفسي، لذا فإن الأساس التوعية الفكرية والنفسية بضرورة الابتعاد عن هذا الفعل ليس لأنه مجرماً بل لأنه مُضراً بالصحة العامة، وهو نهج بدأت تتبعه العديد من دول العالم من أجل منع انتشاره في المجتمعات لا سيما وأن هذا النوع من المخدرات خلف الكثير من المدمنين من دون أية أعراض يمكن أن تظهر عليهم، لكن الاستماع إلى موسيقى النبض الثنائي قد يودي بحياتهم في أية لحظة، وهو أمر يثير تساؤلات مرة اخرى حول المسؤولية الجزائية المترتبة على ذلك، ومن المسؤول، هل هي الشركة التي صنعت الموسيقى أم الشركة التي بثتها إلكترونياً أم صاحب الحساب الذي تم البث منه، وما هو الحال لو كان البث تم من خلال نظام ذكاء اصطناعي.
الواقع أن هذه المعضلة ستكون مشكلة العالم الجديد مستقبلاً .. وسنسمع كثيراً مصطلح "المخدرات الرقمية" .. لكن الأولى اليوم أن نحمي أولادنا وتوعيتهم بخطورة هذه الممارسات حتى لا يقعوا فريسة "إدمان الوهم" .. كما هو الحال في إدمان المنصات الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي وشبكة الإنترنت عموماً !