الأنباط -
كتب محمود الدباس..
كيف انقذ ابو خلف قياداته؟!..
في ليلة صيفية لطيفة الاجواء.. وتحت دالية العنب الاسود الذي يشبه الرطب.. كان ابو خلف جالسا مع الاقارب والاصدقاء.. يستمع لهم وهم يتسامرون ويقصُّون قصص بطولاتهم ايام الرعي مع الاغنام.. وكيفية حمايتها من السِباع.. وكيف هجمت عليهم تلك الحية الرقطة ام قرون وكيف سلخوا جلدها..
وبينما هو شارد الذهن مستغربا من قصصهم التي مل منها الجميع.. واذ بأبي كايد يقول.. ابو خلف.. ما عندك اي اشي من سوالفك ايام العسكرية؟!..
فما كان من ابي خلف الا وان عدل من جلسته.. و "زبط" عقاله.. وقال والله يا ابو كايد السوالف كثيرة.. ولكن اللي بيستمعوا وبيفهموها قلال..
فقال ابو كايد.. اسألك بالله تحكي اشي يخلينا نحس بامجادنا..
رد عليه ابو خلف.. سألتني بالله.. وان شاء الله ما اخيب ظنك..
يا اخوان مشكلتي دخلت العسكرية مراسل وطلعت منها مراسل.. وكانت كل خدمتي مع الضباط الكبار.. كلهم قبات حمرا.. وانا الوحيد "المرمطون"..
ويوم من ايام المعارك بينا وبين العدو.. وكنا في مغارة قريب الحدود.. عاملينها مركز قيادة.. ومحسوبكو قاعد عند العتبة وبنفذ طلبات الضباط..
واحد بيطلب شاي بزعتر.. وبس اقعد والا الثاني بده فنجان سادة.. وما الحق ارتاح والا واحد بيطلب اغسله جراباته واجيبله اللي انغسلوا..
وعلى هالمنوال..
واستطرد.. لعاد انتوا شو بتفكروني؟!.. قايد والا اشي مهم؟!.. لا كنت "مرمطون"؟!..
ويا اخوان ما أزل عليكم بكلمة.. في لحظة.. كل الضباط سكتوا.. والا في صوت من بعيد.. والا هي طيارة معادية.. كشفت مكانا.. وتضربنا "هظاك" الصاروخ.. ويهز المغارة هز..
وتروح وترد ترجع.. وتغير علينا وبهذيك القذيفة.. وعلى هالوضع اكثر من مرة..
ولما الضباط حسوا بالحامي.. والا هالعميد -ما بعرف اذا بعده عايش والا لا- بينادي باعلى صوته اللي مليان رعشة "الحقنا يا ابو خلف"..
بصراحة صوته لحد الان بيرن براسي..
قلتله هسع عرفتوا قيمة ابو خلف؟!.. ونسيتوا جيب يا ابو خلف.. واغسل يا ابو خلف.. و و و..
بس لعلمكو اصلي بيردني.. ابشروا بالفزعة..
قمت من مكاني.. وجبت وتد طوله حوال نص متر.. ورحت دقيته بشكل قوي بالمغارة من جوا.. وحكيت لضابط قوي كثير.. امسك الوتد بايدك بقوة وانبطح على الارض وامسك بإيدك رجلين فلان.. وحكيت لفلان امسك بإديك الثنتين رجلين فلان وآخر واحد حكيتله امسك رجلي انا.. وصرنا مثل الحبل على الارض.. وانا كنت برا المغارة.. ولما اجت طيارة العدو وغارت علينا.. وامسك عجلها.. وناديت شدوا يا رجال..
وهالطيار يحط اول ما مشى.. يحط ثاني ما مشى.. وقد ما حاول.. الا انه احنا كنا رايحين نتقطع من الشد.. الا انه اصرينا وحكينا مهي موته وحدة.. يا بنثبت وبنكون رجال.. يا نتقطع من شد الطيارة..
المهم.. بعد يمكن خمس دقايق واحنا على هالحالة.. والا الطيار بيفتح الشباك.. وبيطل علي.. ولمحني.. والا هو بيحكي.. عليك الله وامانه.. اتركني وما اعود ارجع على هالبلد..
وهون يا اخوان.. تركته.. وحسب معلوماتي انه قدم استقالته..
وهكذا انقذ ابو خلف الوطن وقيادته من ذلك الطيار المتغطرس..
لقد قمت بسرد هذه القصة حتى اقول للكثيرين.. ان امثال ابو خلف للاسف هم كثر.. وحتى يجعلونا نصدقهم.. يقدمون لاحاديثهم المقدمات الرنانة والتي تلامس القلب والوجدان.. ويضمنوها بعبارات يظنون اننا سنقتنع بصدق رواياتهم واحاديثهم.. ولا يعلمون بان كلامهم لا ينطلي الا على السذج وبعض البسطاء والعوام..
فكم سمعنا من اشخاص.. اننا منكم ومن نفس طينتكم.. ونعاني مثلما تعانون.. ومَن هو افضل منا للوقوف معكم والدفاع عن قضاياكم.. وهم في الواقع اشد خطرا من الذبن يريدوننا ان نحاربهم.. او نعاديهم..
فلنحذر من امثال ابو خلف.. ومن الذين يبكون دموع التماسيح لجرنا الى مستنقعاتهم النتنة العفنة بمعسول كلامهم.. وابتساماتهم الصفراء.. واشاراتهم المشبوهة.. وايماءاتهم الخبيثة.. فماضيهم معروف.. و "تشعبطهم" على الاكتاف واضح.. وحبهم لمصالحكم ومقاعدهم لا يمكن ان يخفوه بكلمات التودد والبساطة..
فالقرب من هؤلاء شبهة.. والتعامل معهم كارثة.. فالماكر لا يؤتمن جانبه.. ولا يُعرف متى سيستغل ما لديه.. فهم يجيرون المواقف والافعال والاقوال والهمسات والابتسامات لمصالحهم.. وتأييد مواقفهم وارائهم.. وتغيير نظرة الاخرين بغيرهم..
ابو الليث..