الدكتور خالد الوزني يكتب : الرشاقة في التشريع الاقتصادي
- تاريخ النشر :
الإثنين - am 12:00 | 2022-08-08
الأنباط - يعتمد مفهوم الرشاقة المؤسَّسية على مقومات ثلاثة تتمحور حول المرونة في التكيُّف للمتطلبات والتغيُّرات الداخلية والخارجية، والسرعة في الاستجابة، والقدرة على استشراف المستقبل للتعرُّف ليس فقط إلى متطلبات العصر، بل توقُّع الاحتياجات العالمية، بما يعني الاستباقية بدلاً من ردّات الأفعال. على صعيد آخر، الحكومات التي تُسجِّل اليوم حضوراً عالمياً مميزاً، وتتطوَّر بشكل ملحوظ حول العالم، تفعل ذلك اعتماداً على مُسرِّعات أساسية ثلاثة للرشاقة الحكومية، وهي: وضوح الرؤية والرسالة لاستشراف المستقبل، وتوافر القاعدة الرقمية القوية المُعزِّزة للخدمات الرقمية، ضمن سلسلة إجراءات واضحة وشفّافة، تدعم الوضوح والعدالة وتقلِّل من الحاجة للاتصال المباشر بين مُقدِّم الخدمة، والمتعامل معها. وأخيراً وليس آخراً، يتكوَّن المُسرِّع الأخير للرشاقة الحكومية من التشاركية مع الجهات ذات العلاقة، من الإطارين الداخلي أو الخارجي للعمل، على أن تُركِّز الحكومات على تقديم الوظائف الرئيسة، وتعهيد ما تبقّى Outsourcing للقطاع الخاص، ضمن معادلات من الشفافية، والعدالة، والتنظيم، والرقابة، والتقييم المستمر. وظيفة الحكومات اليوم تقوم على تقديم خدمات عامة بتميُّز وتنافسية عالية؛ لأنَّ المواطن بات يُسمّى مواطناً عالمياً، Global Citizen، فهو يشاهد كلَّ ما تقدمه حكومات العالم لمواطنيها، وبات لا يقبل أن يعيش بمستوى أقل من الآخرين، خاصة وهو يدفع الضرائب والرسوم المختلفة، ويلتزم بكافة الإجراءات والقوانين الناظمة للحياة، ناهيك أنَّ حكومات العالم تتنافس على القوة العاملة المميزة، وتُسخِّر لها حرية التنقل والعمل، بل والتجنُّس في العديد من الدول المتقدمة. ولعلَّ أهم ما يمكن أن تقدِّمه الحكومات من خدمات عامة اليوم هي القوانين والتشريعات. تلك التشريعات باتت عالمية أيضاً، وخاصة ما يتعلَّق منها بالشأن الاقتصادي، والتي تتمحور أساساً في رفع تنافسية الدولة أمام المجتمع العالمي، وخاصة المستثمر العالمي، الذي يتسوَّق الاستثمار Shopping for Investment، حول العالم، وبات يستطيع أن يقارن بين الاقتصادات المختلفة بمجرد الدخول إلى الشبكة العالمية ومتابعة تقارير التنافسية العالمية وما شابهها من التقارير العالمية والدولية. الشاهد مما سبق أنَّ الحكومات التي تبحث عن الرشاقة الحقيقية عليها أن تعلم أنَّ إصدار التشريعات والقوانين الاقتصادية بات يتطلب أربعة أعمدة أساسية مختصرة، عمود الأساس الأول يتطلَّب ضرورة التعلُّم من التطبيقات العالمية الناجحة، ومراجعتها واستحضار مقومات نجاحها وتميُّزها، أما العمود الثاني فيقوم على ضرورة تعلُّم الاقتصادات من أخطائها السابقة عبر مصفوفة للدروس المستفادة السابقة وكيفية عدم تكرارها، أمّا العمود الثالث فيقوم على ضرورة أن تُحدِّد الحكومات الفئات المستهدفة من التشريع وأن تسعى للتشاور معها، افتراضياً أو بشكل مباشر، فالتشاور لا يكون بعرض القوانين على المنصات وانتظار الرد، أمّا العمود الرابع والأخير، ولعلّه الأهم، فيقوم على فكر الاستباقية والتميُّز، وهو أن تقوم الحكومات بدراسة أفضل التجارب الإقليمية والعالمية، ثمَّ تُقرِّر كيف تتفوَّق عليها، وليس فقط تطبيق ما جعل تلك التجارب ناجحة. مُسرِّعات الرشاقة في التشريعات المتعلقة بالشأن الاقتصادي واضحة، وهي التعلُّم من الدروس السابقة، ودراسة أفضل التجارب العالمية، والسعي نحو الاستباقية والتميُّز. خلافاً لذلك ستصدر الحكومات قوانين نمطية تقليدية، تعالج بعض الثغرات، وتفتح الكثير من الثغرات الجديدة. صنّاع القرار في التشريعات الحكومية، من جهات تنفيذية أو تشريعية، يجب أن يعلموا أنهم لا يخترعون الذرة مرة أخرى، وأنهم لا يعملون في معزل عن العالم من حولهم، فهناك تجارب عالمية عديدة للتعلُّم منها، بيد أنَّ المطلوب هو أن يقدِّموا الجديد؛ أي الاستباقية والتميُّز، ليس على المستوى المحلي أو الإقليمي، بل على المستوى العالمي، فالمواطن بات عالمياً، ويعلم كلَّ ما يحدث في العالم، والمستثمر أيضاً بات عالمياً، ويعلم ويدرس كلَّ ما يحدث في العالم ويسعى لما هو أفضل.