الأنباط -
كتب محمود الدباس..
كم كنا نشعر بالدهشة حين سماعنا او مشاهدتنا نجاحات الاشخاص في الغرب والشرق الاقصى في مجالات الحياة المختلفة.. واستمرار سطوع نجومهم لفترات طويلة..
وحين نحاول فهم سبب ذلك.. ونبدأ بالمقارنة بيننا وبينهم من حيث طاقة وامكانات القوى البشرية.. نجد في كثير من الاحيان اننا نتفوق عليهم.. من حيث المستوى العلمي والكم المعرفي.. والثقافة الواسعة.. وتتجلى هذه الحقيقة بوضوح في أبنائنا الذين انتقلوا للعمل في تلك البلدان.. والنجاحات الباهرة لهم.. بعد ان كانوا اقرب للفشل في بلدانهم..
فأين الخلل؟!..
في هذه العجالة سأتناول احد اهم الاسباب التي تجعل ذلك البون الشاسع بيننا وبينهم..
قبل اكثر من عشرين عاما.. قال لي احد الذين تتلمذت على ايديهم.. نحن لا نُفرق بين الاحترافية والمهنية في العمل.. والفارق بينهما بسيط.. ولكن الاثر لذلك الفارق كبير..
هذه الجملة تركت في عقلي صوتا استفزني كطبول الحرب.. وقررت حينها ان ابحث في هاتين الكلمتين ومدلولاتهما على ارض الواقع..
فاستطيع ان اطلق وصف الاحترافية على اي شخص يؤدي الأعمال الموكولة اليه.. من حيث استخدامه لمدخلات ومخرجات اعماله.. وادارته للوقت اللازم لإنجازها.. بشكل متقن واقرب إلى الكمال..
فمواعيده كلها دقيقة.. واجتماعاته تتم في الوقت وللوقت المحددين.. ومتقيد بجدول اعمال لقاءاته التي تم الاتفاق عليها.. مخرجات عمله تصل الى درجة عالية من الاتقان.. وتتوافق مع المتطلبات التي يبحث عنها متلقي الخدمة او الزبون..
أما المهنية.. فيمكن أن نطلقها على اي شخص يقوم بالاعمال الموكولة إليه بالاحترافية العالية.. والمحكومة بالأخلاق وقواعد الآدآب السلوكية.. والضمير المهني..
ومن هنا استطيع القول.. إن كل شخص يعمل بمهنية.. هو شخص يتمتع بالاحترافية..
وليس كل شخص يعمل بِحِرَفية.. يتمتع بالمهنية..
ولكي اوضح وأُبسِط الفارق بينهما اقول..
كلما كان انجازك للعمل بشكله المتقن.. ومفصولا عن العلاقات الشخصية.. وضمن القنوات والاطر المتبعة في بيئة العمل.. تجعلك اكثر مهنية.. وتبعدك عن الوقوع في مزالق المشاكل الادارية.. وتبقيك دوما ضمن مجموعة الحلقة الاقوى في اي نزاع او اختلاف او مشكلة..
فعلى سبيل المثال.. عند استخدامك للمكالمات الهاتفية.. او الحديث الشفوي في اعطاء الاوامر او للطلب من زميل او متلقي خدمة او زبون للقيام باي دور او عمل.. فإنك تبتعد كثيرا عن مستوى المهنية.. حتى وإن كانت نتائج ذلك العمل تتسم بالحرفية العالية..
وذلك لان في استخدامك للاتصالات الهاتفية.. تكمن الهفوات العديدة.. واذكر منها على سبيل المثال..
▪︎تشتت الحديث..
حيث لا بد من السلام والمجاملات وبعض الأحاديث الجانبية.. والتي تضيع كثيرا من جوهر الموضوع..
▪︎اقحام الحياة الشخصية..
في غالب الاحيان تؤدي المكالمات الهاتفية الى معرفة الطرف الاخر للكثير عن حياتك الشخصية.. حيث يمكن ان يعرف من سياق الحديث انك تقوم برعاية الاطفال دون مساعدة من شريك او شريكة حياتك.. وان الحياة الزوجية مع الشريك قاسية او سيئة.. او قد يتطور مجرى الحديث لمعرفة ظروفك المادية.. ومن نبرة الصوت قد يعرف بعض الامور الصحية.. وما الى ذلك..
▪︎قطع العلاقة..
نتيجة لما سلف.. ستتفاجأ يوما ما -قرب او بعد- باقتحامه حياتك الخاصة..إما باتصال هاتفي.. او برسالة.. او بمقطع لاغنية.. او نكتتة.. وقد يعلل ذلك للاطمئنان عن الاحوال.. فتضطر حينها لقطع العلاقة معه.. والغاء ذلك النشاط الذي بدأتموه معا -وقد يكون ناجحا- وذلك لانك لم تكن تريد لهذه العلاقة ان تصل الى هذا الحد.. (والتي قمت انت بفتح الباب لها.. وبمحض ارادتك.. وذلك لابتعادك عن التعامل المهني)..
بينما لو تم التعامل من خلال الرسائل عبر التطبيقات المتعارف عليها.. او البريد الإلكتروني.. او حتى المراسلات الورقية.. فانك تكون اقرب الى درجة الكمال المهني.. حيث ستحقق اهدافا كثيرة دون اي حرج..
واذكر منها على سبيل المثال لا الحصر..
▪︎ضبط ايقاع وصيغة الحديث.. وعدم التشتت في المواضيع.. وتثبيت نقاط وحدود العمل الذي تريد منه القيام به..
▪︎سهولة الرجوع للمراسلات بين الاطراف.. اذا ما حدث هناك اختلاف او خلاف على ما تم التوافق عليه من نقاط..
▪︎وضع حدود واضحة لطبيعة العلاقة بينك وبين الطرف الاخر.. وضمان عدم اقتحامه لحياتك الشخصية.. وبالتالي ضمان لاستمرار علاقة العمل.. والاستفادة المتبادلة.. والنجاح والتعاون المستمر.. ((الا اذا كان بطبعه المتأصل اقتحام خصوصية الاخرين.. وهؤلاء قليلون))..
وحتى تكتمل الصورة.. اضع بعض النقاط التي تبني الشخصية المهنية.. والتي تريح بها الاخرين.. وترتاح من عناء تقلب الامزجة والاهواء.. ولن تضطر لقطع أي علاقة عمل بعد تأسيسها بشكل سليم..
▪︎التعامل مع كافة الاطراف بشكل متسواي دون تمييز بين زميل وآخر.. او مسؤول.. او متلقي خدمة او زبون..
▪︎عدم ادخال الاعتبارات الشخصية في بيئة العمل..
▪︎التعامل مع كافة اطراف العمل عبر قنوات الاتصال الرسمية.. والابتعاد عن المحادثات الهاتفية الا في الامور الطارئة والتي لا تحتمل التأخير.. وفي الغالب تكون للتنبيه على شيء يكون للزمن وسرعة الاستجابة تأثير مهم جدا.. وعادة تُستخدم للضرورة مع/بين الادارات العليا..
▪︎الترفع عن التعامل على اساس الديانات والمذاهب والانتماءات السياسية والحزبية وحتى العائلية..
▪︎الفصل التام بين وقت العمل ووقت الحياة الشخصية.. وذلك من حيث اوقات ومواعيد التواصل.. إلا في الحالات الطارئة جدا.. وتكون عبر الرسائل..
▪︎عدم الاصغاء للاحاديث الجانبية والاشاعات.. والتعامل بشكل عملي مع اي حدث او معلومة.. والتثبت من صحتها.. حتى وان بدت وكأنها حقيقية..
▪︎تبني مبدأ التوثيق والارشفة في كل شيء يخص بيئة العمل.. واتباع وسيلة ثابتة للتخاطب المكتوب.. مع كافة الاطراف دون استثناء..
▪︎الانسحاب من اي جلسة يكون مدار الحديث فيها لا يصب في مصلحة العمل..
▪︎عدم القيام باي مهام عن الغير.. إلا بتكليف حسب الاصول..
▪︎عدم التردد في التبليغ عبر القنوات الرسمية عن اي ملاحظة او شائبة قد تسبب اشكالا في بيئة العمل.. وخصوصا تلك التي من الممكن ان يطالك منها تأنيب او مساءلة دون اي دخل مباشر لك.. حتى لا تضع نفس حينها في مكان المُدافع والباحث عن ادلة البراءة..
ابو الليث..