الأنباط -
في الثقافة الأصيلة فإن أي تكليف هو عبارة عن تكليف وليس تشريف، وما دام الشخص قَبِل على نفسه تبوء موقع معين فهذا اعتراف وإقرار منه بأنه على قدر هذا الموقع، ومتمكن من إدارته بالطريقة المثالية أو على أقل تقدير بقليل من الأخطاء المرتكبة.
وفق هذا المفهوم يعني أن النتائج لابد وأن تكون إيجابية وذات دلالات على مؤسسية العمل ومنهجيته بحيث لا تكون مرتبطة بأشخاص بل باستراتيجيات ثابتة مهما تغير المسؤول وتبدل. لكن يبدو أن ما يوجد لدينا في الأردن مختلف تماماً عن ذلك، حيث يرى المسؤول نفسه أكبر من المهام المناطة به، ويعتبر ذاته فوق كل شيء وكأنه وجد حتى يتربع على عرش المجد.
رؤساء حكومات، ووزراء بالمئات مرّوا على تاريخ هذه الدولة، في معظمهم لم يؤدِ أي منهم دوره الحقيقي وإلاصلاحي ما ساهم في وصول البلد إلى ما وصلت إليه اليوم من ضعف اقتصادي، وترهل إداري، وأفق مسدود، حتى انعمدت الحلول وانحصرت خيارات الاصلاح، وبات هدف أي حكومة هو وضع موازنة تقليدية تهدف إلى تخفيض العجز على حساب المواطن، وليس غير المواطن.
لا أستطيع فهم ما يصيب من يتبوأ منصباً ما، حيث تجده قبل ذلك يملأ الدنيا نظريات وأفكار وخطط وآراء إصلاحية لينغمس لاحقاً في غياهب المسؤولية ويتحول إلى شخص آخر قد تملكه جنون العظمة، والتمرتس بالكرسي، والرهبة من العمل، واندثرت كافة نظرياته وخططه، وخرج علينا بتبريرات قاتلة لم يعد الأردنيون قادرون على استيعابها أو فهمها أو تقبلها.
والحالات كثيرة في هذا الإطار، حيث وقفنا على شخصيات كانت تملأ البلاد صرخات تنظيرية وتنتقد السياسات العامة وإدارات الحكومة، وعند تسلمها مناصب معينة انعمست في ذات الترهل والفشل والبؤس، وبالتالي كان النتائج هزيلة دفع المواطن وما يزال ثمنها غالياً، كما بات الوطن عبارة عن حقل تجارب لأشخاص لا يهمهم سوى أنفسهم ومصالحهم الضيقة.
حكومة الدكتور بشر الخصاونة ليس على أي حال أسوأ مما سبقها، كما أنها لم تُثبث أنها أفضل، فتركيبة الأشخاص هم ذاتهم، حيث التقوقع والتقهقر إلى الخلف، الوقوف في حالة عجز تام أمام التحديات التي تواجه المملكة على الصعيد الاقتصادي، والسياسي، والإداري، والاجتماعي، والأخير بات يشكل خطراً كبيراً كنتيجة حتمية لوضع المواطنين المعيشي، وزيادة نسب البطالة والفقر دون حلول تظهر في الأفق.
لا يمكن أن نتحدث عن أي شكل من أشكال الاصلاح ما دام من يقوم عليه هم أنفسهم بحاجة إلى من يصلح لهم حالهم، ويأخذ بيدهم لإقناعهم أنهم اليوم في مكان المسؤولية التي تتطلب منهم العمل، أو الذهاب إلى المنزل بعد الاعتراف بفشلهم. لكن هل نملك مثل هؤلاء الأشخاص؟