كتّاب الأنباط

داحس والغبراء وثقافة البغضاء الحديثة

{clean_title}
الأنباط -
بهدوء

عمر كلاب


بات مطلوبا ان نمنع كرة القدم وان نلعن التظاهرات وان نقاطع الاعتصامات وان نشطب من الذاكرة تواريخ المجازر واسماء الضحايا , طالما ان احياء هذه المناسبات او الدعوة لتظاهرة او اعتصام سيوقع القتلى والجرحى , ويصبح الاستعداد لمباراة كروية اسوة بالاستعداد لزلزال او اعصار مرتقب .

نستمتع بإحياء نعرات وبغضاء ,كأننا نحتفل بمناسبة فرح , تستجمع الذاكرة العربية كل مخزونها الاسود بتفاصيله المملة دون اغفالة او سهو بسيط , في حين نقفز عن تاريخ من الحياة المشتركة والتواصل الاجتماعي الحقيقي وليس التواصل الافتراضي على الشبكة العنكبوتية .

اذا ما راجع الفرد العربي في كل الاقطار دفتر علاقاته وسجّل صداقاته سيكتشف كم هي متنوعة وغير محكومة بأصل او منبت او عرق او دين , سيجد المصري المسلم ان حجم صداقاته مع المصري القبطي تفوق الوصف , وسيجد الشامي ان اصدقائه من العلويين والسنيين والمسيحيين عظيمة ودائمة , وسيجد الاردني ان اخر ما يفكر فيه عند اختيار اصدقائه , الاصل او المنبت او الدين , ولو قمنا بتجربة فردية صغيرة , تتضمن كتابة اسماء الاصدقاء على ورقة لوجدنا انها مختلطة بإمتياز .

هذه التعددية الجميلة في عالمنا العربي مذهلة على الصعيد الفردي , لكنها تتحول الى نقمة على المستوى الجمعي او في الاطار الاوسع , حيث سرعان ما يتقوقع الواحد منا عند اول منعطف صغير وتتحول الصداقات الى تراشق وتنابز وتتطور الى ضحايا ودماء .

كنا نعيش قبل الربيع العربي واحتلال بغداد في وئام ديني ومجتمعي , فلا اخواننا الشيعة هبطوا من المريخ بعد احتلال العراق ولا تفاجأ الاشقاء الشيعة بوجود شقيقهم السني بغتة , ولم يشطب اهل القاهرة عن بورسعيد مقاومتها او جمركها ومنطقتها الحرة , وقاسم اهل اربد اهل حيفا وطبريا الفضاء والرزق وكذلك انتسجت العلاقة حبا بين نابلس والسلط والخليل والكرك , دون قرار قسري او فرض جبري .

الذي حدث ان ثمة من يعبث بكل القيم واسباب الرحمة والتواصل الاجتماعي لجعلها واقعا افتراضيا , فتصبح المعايدات في المناسبات رسالة باهتة وسمجة , وتصبح الهواجس السوداء عالما حقيقيا بين المكونات العربية على فضاء المواقع التواصلية التي تهدف حقيقتها الى قطع الاواصر , ويصير الخصم هو الشقيق والجار وليس الغريب والمحتل والصهاينة .

وتصير داحس والغبراء ثقافة نعيد استحضارها في كل بلد ومدينة وقرية , ويكون ثأر الزير حاضرا اذا كان القاتل ابن العم او الخال ونسامح ونصفح عن ثارنا مع الغريب , ونصفط دم الاخ كرامة لبسطار النيتو وجاهة الانكل سام , يجد الفاسد والعابث في الوجدان والوحدة كل دعم ومناصرة على ارضية داحس وثقافتها , ويفقد الوحدوي الانصار والداعمين .

علينا الانتباه والحرص فثمة من يستنسخ البغضاء والثارات في الوطن العربي , وثمة من يوزع علينا سيوفا وخناجر كي نطعن بعضنا ويحجب عنا كل عناصر النصر والوحدة , يعيد داحس والغبراء ويطالبنا بشطب تاريخ المعتصم وصلاح الدين والمطران كبوشي .

omarkallab@yahoo.com
تابعو الأنباط على google news
 
جميع الحقوق محفوظة لصحيفة الأنباط © 2010 - 2021
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( الأنباط )