الأنباط -
حسين الجغبير
كانت فترة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الأسوأ في تاريخ الإدارات الأميركية بالنسبة للأردن، الذي خاض في هذه الفترة حربا ضروسا تجاه مخططات ثلاثي التطرف نتنياهو وكوشنير وترامب ذاته، بشأن القضية الفلسطينية أو ما عرف بصفقة القرن، ما أدى إلى تراجع الدور الأردني في المنطقة، باستثناء النجاح في الحفاظ على علاقة متميزة مع دول الاتحاد الأوروبي التي تثق بالقيادة الأردنية ورؤويتها من أجل منطقة شرق أوسط أكثر استقرارا وأمنا وسلاما.
لا يمكن إنكار أن الأردن كان في حالة صد هجوم في تلك الفترة، اقتصاديا وسياسيا، نتيجة موقفه الثابت تجاه قضية الأشقاء الفلسطينيين، ما أدى إلى العيش تحت ضغوط شكلت في تلك المرحلة أزمة حقيقية للدولة بأكملها، بيد أن تسلم إدارة جو بايدن رئاسة الولايات المتحدة أعادت الأمور إلى وضعها شبه الطبيعي حتى هذه اللحظة.
الأردن يعود إلى الواجهة من جديد، مع اقتراب سفر جلالة الملك عبدالله الثاني إلى الولايات المتحدة الأميركية للقاء الرئيس الديمقراطي والعديد من المسؤوليين هناك، حيث يحمل جلالته ملفات غاية في الأهمية لمناقشتها مع إدارة البيت الأبيض، وهي ملفات سياسية واقتصادية، ولها علاقة بإعادة إحياء عملية السلام، والعودة إلى طاولة المفاوضات من أجل حل الدولتين، وهو الحل الذي حاربته إدارة ترامب.
إن قدرة الأردن على الصمود في وجه كل الأمواج التي عصفت به، داخليا وخارجيا، يدفع للشعور بالتفاؤل بأن هذه الدولة، بقيادة الملك دولة مؤسسات قادرة على التعاطي مع كل الظروف والخروج منتصرين بها، مع الإيمان بأن دول العالم مهما ابتعدت وتغيرت أجنداتها وأولوياتها تبقي خيار الأردن في سلم أولوياتها لأسباب عديدة على رأسها حكمة الملك وحضوره في المجتمع الدولي، بالإضافة إلى الموقع الجيوسياسي للمملكة، وقدرتها على التأثير في محيطها، ناهيك عن استقرارها أمنيا.
لأجل ذلك من المرجح أن يكون الملك أول زعيم عربي وربما إسلامي يلتقي جو بايدن، وما هذا إلى دلالة واضحة إلى عودة الإدارة الأميركية إلى المربع الأول في تحالفاتها في منطقة الشرق الأوسط، وهذا مدعاة لأن يشعر الأردنيون أن السياسة الخارجية الأردنية تتسيد المشهد، وقادرة على الذهاب بعيدا، إذ أنها تدار من رأس الدولة، وليس من قبل شخوص.
الدور الأردني كبير، الحركة السياسية الخارجية تتصاعد، وهذا الدور يتطلب إعادة التموضع الداخلي وترتيب بيتنا، خصوصا في ملف الاصلاح السياسي والإداري والاقتصادي لما لذلك من أهمية عظمى في دعم الموقف الأردني في الخارج، ويساعده على الحوار والتفاوض من أجل تحقيق مكتسبات، فالهدوء الداخلي دعامة قوية لأي تحرك خارجي.
لم تهدأ جولات الملك الخارجية، وهي جولات ساهمت كثيرا في وضع الأردن على خارطة العالم السياسي رغم ضعف الامكانيات والتحديات الكبيرة، ههذ الخارطة التي يجب أن تعزز بتوسيع التأثير الأردني في العالم، خصوصا وأننا نملك سنوات أربع من عمر رئاسة بايدن الذي يدرك جيدا ويؤمن بالملك والمملكة باعتبارها ركيزة هامة في منطقة تعصف بها الأزمات والحروب. يجب استثمار ذلك إلى أبعد حدود، وتحقيق مكتسبات وطنية تعود بالنفع الاقتصادي والسياسي في آن واحد.