الأنباط -
بالعادة تفصل العقول بين الشخص والمنصب او الموقع بشكل قسري او اكاديمي صرف الا في الاردن, بعد ان افسد سخاء المباركات من الجمهور الاردني فقه العلاقة بين الشخص وموقعه او منصبه, لكن ذلك اثبت عدم انتاجيته تحديدا في المواقع الفكرية او المواقع التي تتطلب اشتباكا مباشرا مع الجمهور, فلا يمكن لرجعي مثلا ان يتولى مهمة اصلاحية ورأينا كيف تكشّف عوار معظم برامجنا الاصلاحية بعد ان جلس على مقعد التنفيذ او المسؤولية اشخاص رجعيون او يمينيون محافظون.
في الاردن وغالبية الاقطار العربية يميل الجمهور الى الاحتفاء بالشخص القادم للموقع بصرف النظر عن مدى ملائمته او مطابقته لمواصفات المهمة, فالمناصب تزهو بالجالس وتلعن الخارج من المنصب, لدرجة انه يمكن لأمين عام حزب شيوعي رعاية دورة دينية او تخريج مجموعة انهت حفظ القرآن في احد المساجد, لمجرد انه يجلس على موقع مسؤولية او تكفل بنفقات حفل التخريج, فحجم الانزياح بين الصورة والاطار في بلدنا, قابل للطي او التمدد حسب الرغبة ورابطة الدم.
منذ تاسيسه لم يحظ مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الاردنية بقائد يمنحه هيبته الاكاديمية والاستراتيجية مثل الدكتور مصطفى الحمارنة الذي حافظ بفروسية ذاتية اولا وبشبكة علاقات حيوية على استقلال المركز واكاديميته, وتقلصت الصرامة الاكاديمية برحيله عن المركز تارة بمؤامرة وتارات بضق صدر, لكن الرجل بقي مشتبكا مع الحياة العامة بفقه الاشتباك الديمقراطي, سواء في النيابة او في المجلس الاقتصادي الاجتماعي ولاحقا في مجلس الاعيان.
منذ فترة ليست بالطويلة, استرد مركز الدراسات الاستراتيجية ذائقته المنهجية وصرامته الاكاديمية, بل ونقل الصرامة الى حواراته السياسية واستطلاعات الرأي, بشكل ملفت, وللامانة كان الانتظار مبررا قبل الكتابة عن استرداد روح المركز, حتى لا تكون العودة الى الروح مجرد مناورة سياسية او مراوغة اكاديمية, لكن المجلس بقي على ثباته بل اسهم في رفع مستوى الحوار السياسي الى سقوف كانت اكثر من حمراء وبسوية سياسية رفيعة, تستوجب التأشير عليها ونسب الفضل لصاحبه, ودون شك نجح الدكتور زيد عيادات- الذي اخطأ مدققنا اللغوي بالامس في اسم عائلته – في هذه العودة الاثيرة على النفس.
الاكاديمي الرصين زيد عيادات, دخل الى المعركة مسلحا بثقافته الرفيعه وايمانه بالاختلاف, وليس بالخلاف, فالاختلاف ينتج معرفة والخلاف ينتج عدم او صراخ, فلامس كل المسكوت عنه بوقار المثقف ورصانة الاكاديمي, وربما عكست حسن ادارته وقدرته على تقديم ارضية نظرية للحوار او النقاش في الانعكاس على جمهور الحضور, فهو يفتح النوافذ دون قلق او ريبة ويشرع الابواب للحوار دون ضيق او تذمر من الرأي القادم.
اليوم نستطيع ان نرتكن الى مركز دراسات استراتيجية قادر وقابل على تزويدنا بمزاج الرأي العام وقادر اكثر على توجيه هذا الرأي اذا توفرت الرغبة في معرفة المزاج العام واعدنا الاعتبار لمفهوم الرأي العام بدل مفهوم العوام او الدوغما المتأصل في ذهن الرسميين عن الجمهور الاردني.
ما يقدمه مركز الدراسات الاستراتيجية من حوارات واستخلاصات, تسهم في رفع سوية القرار اذا رغب صاحب القرار في المعرفة وفهم المزاج العام, وهذه علامة لصالح الاكاديمي المثقف زيد عيادات الذي نجح في توفير حاضنة للفكر والرأي على اتساع مساحته واختلاف مشاربه.