الأنباط -
توقف جريان الدماء في عروق يداي ... عجزت عن تسطير الكلمات ... بعد ان همست اصابعي اخر مرة للورق الابيض ببضع كلمات من اقوال و احاديث حبيبها وهو اخر تقاريري الذي ضم كلماتك التي لم تراها عيناك لن تسمعها اذنيك يا ابي .
تغزوني الذكريات يعتريني الالم ما من دواء له الا الصبر... مع توهج الشوق واشتعال الحنين ليفقد العقل القدرة على التفكير كيف للحياة ان تستمر بدونك .
قبل عدة أسابيع كان صوته يملئ أركان المنزل بطلباته ضحكته كلامه قصصه وحكاياه ووجعه كلها اصبحت اصداء أصوات تداعب الاشواق ودمع العين .
صوت الة المشي فجرا افتقدها .. خوفك علينا غاب ... يالها من صدمة ان تجد نفسك في العراء دون يد تطبطب عليك تزيل همومك بدعوة وتمسح دمعتك بكلمة .
ابي ... كم افتقد وجودك كم تخنقني براكين الدموع ... كيف لي أن استمر في حياتي بدونك ودون بركة دعائك ...افتقد سهرك وانت جالس على كرسيك تتابع القنوات الإخبارية بينما اجلس الى جانبك اتابع عملي ، لقد كنت رفيقي في الليل احيانا نتناقش بما يجول في خاطرك واحيانا اخرى تخبرني بالمك وخوفك علينا والان بات الليل طويلا حالك السواد.
ابي اين كلمات الخوف واللوم عندما تجدني وقعت في مشكلة لا اعرف الخروج منها؟ واين عصبيتك وغضبك عندما اناقشك بما لا تهواه نفسك ؟ اين صوت مسبحتك واصوات تسبيحاتك ؟ اين صوت هاتفك اين واين واين......كلها اصبحت ذكريات تعصر النفس الما .
ابي اتذكر غرفة نوم لعبتي التي صنعتها اناملك الذهبية ما زلت احتفظ بها وكيف لي ان ارميها وهي اغلى هدايا حياتي .
اتذكر يا والدي عندما انتلقنا للسكن خارج مدينة عمان كنت رفيقي واختي بخطواتنا حتى نصل المدرسة وتطمئن علينا .
ابي اتذكر عندما كنت تشرح لي مسائل الرياضيات وتذهب معنا الى الأسواق لنشتري اجمل الثياب العيد أتدري انني ما زلت احتفظ بالعديد من تلك القطع في خزانتي .
كيف لي ان انسى تلك اليد التي جلبت لنا ما لذ وطاب او انسى صوتك عبر الهاتف يسالنا عن رغباتنا قبل وصولك البيت ، كيف لي ان انسى دموع خوفك والمك في اقسى ظروف حياتي.
ذكريات وذكريات تتزاحم في ذاكرتي حتى ظننت اني فقدت الذاكرة . لم اتوقع ذهابك بسرعة كنت انتظر عودتك لتجلس بيننا ويعلو صوت التلفاز بالاخبار لتطلب مني كاسا من الماء او قطعة شوكولاته او كوبا من الشاي .
في ذلك اليوم الذي كنت اهرب منه دائما اعطيتك حبة تمر محشوة بقطع من الجوز طالما عشقتها وكانت اخر ما اعطيتك اياه ،لم ارك بعدها إلا عندما سلمت الروح الى بارئها ما كنت اعلم ان جسدك بارد ظننت انك متعب ولكن جاء خبر موتك من بعيد لاصرخ بصرخات ما زلت الي يومي هذا اصرخها " بابا بدي بابا " .
لتعود في اليوم التالي محمولا على الاكتاف وانا غير مصدقة انك رحلت بعيدا وان جسدك بارد واقفلت عيناك للابد واصبحت غير قادرة على رؤية النور ، بعدها خرجت صامتا دون ان تقول كلمة واحدة او تسالني ماذا اريد كان وداعا مؤلما طالما هربت منه في افكاري ودعوة ربي ان لا اعيش هذا الفراق الا ان تذوقت مراراته .
ابي بالرغم من غياب جسدك الا ان روحك ما زالت بيننا واغراضك ما زلت التحف بها واحدثها باشواقي وحنيني ورغبتي ان اضمك .
البيت في غيابك يا ابي اصبح باردا مشتتا ولاول مرة تغيب عن مائدة الإفطار التي فقدت بركتها حتى يومنا هذا.. الفرح اصبح محدود ، وفي كل يوم اضع راسي عالوسادة ادعو الله ان اراك في حلمي لاضمك و اخبرك بما يؤلمني واشكو اليك ضعف قوتي من يوم فراقك.
ابي كم اشتاق لك وهذه الكلمات اقل ما يمكن ان اقدمها بعد حياة مليئة بالعطاء والحب والفرح .
وسامحني لان الكلمات لم تسعفني ان اعطيك ولو القليل القليل من الم وتعبك حتى وصلنا الى ما نحن عليه .