الأنباط -
تقول الأسطورة إن محاربات الأمازون كنَّ يقطعن أثداءهن ليسهل عليهن رماية الأسهم، وكنَّ جامحات تماماً كالخيول التي ركبنها، أجسادهن مغطاة بالوشوم، وحياتهن مكرَّسة للحروب.. لكن مهلاً هل هذه أسطورة حقاً؟
كان الاعتقاد السائد أن الأمازونيات اللواتي وثَّق وجودهن لأول مرة الشاعر هوميروس في القرن الثامن قبل الميلاد هنَّ مجرد خيال وأساطير، لكن ذلك تغيَّر في تسعينات القرن الماضي، عندما عثر علماء الآثار على رفات نساء يشبهن إلى حد كبير المحاربات الأسطوريات.
من هن محاربات الأمازون؟
لم تكن قوة أي من محاربات الأمازون تقل عن قوة أشرس المحاربين الذكور وأقواهم، كما تقول الأساطير الإغريقية، فقد تربّين منذ نعومة أظفارهن على ركوب الخيل وحمل السلاح والقتال بضراوة حتى آخر نفس.
وفقاً للأسطورة كذلك، كان مظهر هؤلاء المحاربات مميزاً، فقد قامت كل منهن بقطع ثدي واحد من أثدائها لتسهيل رماية السهام، كما كانت الوشوم تغطي أجسادهن، عوضاً عن ذلك فقد كنّ نسويات متشددات يكرهن الرجال.
واجهت محاربات الأمازون أعتى أبطال الإغريق من هرقل إلى ثيسيوس وأخيل، إذ كان يتوجب على هؤلاء الأبطال إثبات براعتهم في القتال، من خلال مواجهة مع محاربات الأمازون.
ومن هؤلاء المحاربات نذكر هيبوليتا وأنتوب وثيساليا، وقد كان يعتقد لفترة طويلة من الزمن أنهن شخصيات أسطورية من وحي الخيال، لكن علماء الآثار تمكنوا من العثور على رفات نساء يشبهن محاربات الأمازون إلى حد بعيد.
وقبل أن نتعرف على قصة هؤلاء النساء دعونا نجيب أولاً على السؤال التالي:
هل تمت تسميتهن بـ"محاربات الأمازون" نسبة لامتلاكهن ثدياً واحداً؟
وفقاً لما ورد في موقع National Geographic، فقد كان يعتقد أن اسم Amazons ذو أصل يوناني، وله علاقة بامتلاك هؤلاء المحاربات لثدي واحد.
لكن يشير جميع العلماء المعاصرين إلى أن Amazons لم تكن في الأصل كلمة يونانية- وليس لها علاقة بالثديين.
وفكرة أن "Amazons" تعني "بدون صدر"، اخترعها المؤرخ اليوناني هيلانيكوس في القرن الخامس قبل الميلاد.
ويقترح اللغويون اليوم أن الاسم مشتق من جذور إيرانية أو قوقازية قديمة.
المحاربات الأمازونيات.. حقيقة أم خيال؟
في تسعينيات القرن الماضي، بدأ علماء الآثار باستكشاف هياكل عظمية قديمة لنساء دُفنّ في مقابر المحاربين في مناطق شمال وشرق البحر الأبيض المتوسط، وفقاً لما ورد في موقع Live Science الأمريكي.
بعض الهياكل العظمية التي عُثر عليها احتوت على آثار جروح قتالية، مثل رؤوس الأسهم المغروسة في عظامهن، وكُنَّ مدفونات مع أسلحة تتطابق مع الأسلحة التي كانت في حوزة الأمازونيات، حسبما ذُكرت في الأعمال الفنية الإغريقية القديمة، وذلك بحسب أدريان مايور، الباحثة في قسم الكلاسيكيات وبرنامج التاريخ والعلوم في جامعة ستانفورد.
تقول أدريان: "بفضل علم الآثار، نعرف الآن أن أساطير الأمازونيات، التي كان يُعتقد أنها خيال، تشابه إلى حد كبير تفاصيل متعلقة بنساء السهوب البدويات، اللواتي يشكلن الوجه الحقيقي تاريخياً للأمازونيات الأسطوريات".
كانت البدويات المحاربات جزءاً من مجموعة قديمة من القبائل المعروفة بالسكوثيين، التي كانت معروفة بإتقان الركوب على ظهر الخيول ورمي السهام.
عاشت هذه القبائل في الأراضي الشاسعة لسهوب منطقة أوراسيا، التي تمتد من البحر الأسود إلى الصين، بين عامي 700 قبل الميلاد، وصولاً إلى عام 500 ميلادياً.
كان السكوثيون شعوباً عنيدة وقاسية، واشتهروا باحتساء كميات كبيرة من النبيذ غير المخفف (على عكس الإغريق، الذين خلطوا النبيذ بالماء)، وشرب حليب الفرس المخمر والانتشاء بتناول القنب، كما كانوا يغطون أجسادهم بوشوم غزيرة للحيوانات.
بالرغم من أن مجتمع محاربات الأمازون كان مقتصراً على النساء فقط، وفقاً للأسطورة الإغريقية، إلا أن مجتمعات السكوثيين ضمت الجنسين، لكن النساء فيها ببساطة كن يعشن مع الرجال على قدم المساواة، فكانت الفتيات يتعلمن ركوب الخيل والقتال في صغرهن تماماً كالفتية.
وقد انضمت بعض نساء السكوثيين (وليس كلهن) إلى الرجال في المعارك وأنشطة الصيد.
ووفقاً لأدريان، من المنطقي أن تكون النسوة في هذه المجتمعات مؤهلات للدفاع عن أنفسهن، إذ اعتاد السكوثيين على العيش في مجموعات صغيرة والتنقل عبر السهوب، تحت تهديد مستمر بوجود أعداء.
وذكرت أدريان في مقالها المنشور في مجلة Foreign Affairs أن المقاتلات اللواتي عُثر عليهن في مواقع الدفن الخاصة بالسكوثيين، كانت أعمارهن تتراوح بين 10 أعوام و45 عاماً.
وقالت في حديثها مع موقع Live Science: "حتى الآن، حدد علماء الآثار أكثر من 300 جثة لنساء مقاتلات دُفنَّ مع خيولهن وأسلحتهن، ويجري اكتشاف المزيد اليوم".
مقاتلات يشبهن الأمازونيات في روما ومصر وشمال إفريقيا
لم يكن السكوثيون المجموعة الوحيدة من الشعوب التي تشارك نساؤها في الحروب والصيد، ولم يكن الإغريق الوحيدين الذين يقصون الحكايات عن الأمازونيات والنساء اللواتي يشبهن الأمازونيات.
قالت أدريان: "كانت هناك قصص مثيرة تتعلق بالنساء اللواتي يشبهن الأمازونيات -بعضها خيالي وبعضها معتمد على الواقع- في روما القديمة ومصر وشمال إفريقيا وبلاد فارس والمنطقة العربية وبلاد ما بين النهرين ووسط آسيا والهند والصين. والنساء اللواتي شاركن في الحروب وُجدن في ثقافات من جميع أنحاء العالم، من فيتنام إلى جزر الفايكنج، وفي إفريقيا والأمريكتين".
وتجدر الإشارة إلى أن نهر الأمازون في أمريكا الجنوبية حصل على هذا الاسم بسبب قصة شبيهة. بحسب الموسوعة البريطانية، فإن الجندي الإسباني فرانسيسكو دي أوريانا، الذي يُعزى له الفضل في اكتشاف نهر الأمازون عام 1541، منح النهر هذا الاسم بعد هجوم يُقال إنه تعرض له عن طريق مقاتلات من الإناث يشبهن المقاتلات الأمازونيات الأسطوريات، اللواتي نعرف الآن أنهن يرتبطن بشعوب السكوثيين.